عرض مشاركة واحدة
قديم 09-21-2010, 05:27 AM
المشاركة 87
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عمله في الجامعة الإسلامية نائبا ورئيساً


عين سماحة الشيخ- حفظه الله- في عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية إلى عام 1390 هـ ، ثم بعد ذلك تولى رئاستها من عام 1390 هـ بعد وفاة رئيسها سماحة المفتي الإمام الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله- إلى عام 1395 هـ .
ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى جهوده البارزة في الجامعة الإسلامية : إن الجامعة الإسلامية روضة غناء ، وحديقة رواء ، ذات بهجة تسر الناظرين ، وتقنع الطالبين وتشبع الآكلين ، وهي رسالة عالمية ، وحصن من حصون العلم والمعرفة ، وكهف من كهوف الدين المنيعة ، قيض الله لها علماء أجلاء ، وفقهاء فضلاء ، فنشروا فيها العلم النافع والعمل الصالح معطاءة الخير ، في جميع جوانبها وأمورها ، وكان لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله- أكبر الأثر في مسيرتها الخالدة ، فها هي ثمارها غضة طرية في كل مكان من أصقاع المعمورة فهي رسالة الإسلام وخريجوها أبناء الإسلام ، بها أستعاد الإسلام قوته ، وبها استعاد مهبط الوحي المدينة النبوية مركزها المشع على العالم الإسلامي وقد أحسن المجذوب حينما قال في وصف الجامعة الإسلامية ورسالتها ، وذلك أمام الملك فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله- عام 1384 هـ إبان زيارته للجامعة الإسلامية آنذاك : هذي الحديقة من أغراس بيتكم وقد أنى ينعها واخلولق الثمر ردت إلى طيبة قيادتها فكل صقع به من نفحها أثر فأنظر إلى اسم الدنيا بساحتها في وحدة لم يشب إيلافها كدر جاءت طلاب الهدى من كل ناحية ظمأى إلى النور تحدوها المنى الكبر فيومها دأب في الدرس متصل ومعظم الليل في تحقيقه سهر لا ترتضي الرأي إلا أن تؤيده طريقة المصطفى والآي والسور جيل الهداة الذي تهفو لمطلعه سوح الكفاح ويرنو نحوه القدر ومما لا خلاف فيه ، ولا شك ولا ريب يمازجه أن للشيخ ابن باز- رعاه الله- أثره العميق في كل تقدم أحرزته الجامعة تحت إشرافه نائبا لرئيسها ، ثم رئيسا مستقلا لها بعد وفاة رئيسها الأول الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله
1- كان سماحته- حفظه الله- يتفقد الفصول بين الحين والآخر ، فيستمع إلى دروس المشايخ ويلقي توجيهاته الحكيمة هنا وهناك ، وقد يلحظ في دروس بعضهم ما لا يأتلف مع أفكاره الوثيقة فيعقب على ما سمع بما يؤدي الغرض في منتهى الكياسة والتقدير .
2- ويتردد على قاعات المدرسين فيسألهم عن صحتهم وراحتهم ، ويحاورهم في . شئون التعليم ، ويشجعهم على المزيد من الجهد في خدمة الطلبة ابتغاء ما عند الله .
3- ويدعو المدرسين في مطلع كل عام دارسي لاجتماع عام يضم أساتذة المعاهد مرة ، وأساتذة الكليات الأخرى ، فيتداول معهم أمور الجامعة ، وضرورة الانتفاع من الخبرات الماضية ، مؤكدا على وجوب الاهتمام بأصول العقيدة ، التي يعتبرها الشيخ- رعاه الله- منطلق العمل لتكوين شخصية الطالب ، ثم العناية بلغة القرآن التي عليها يتوقف نجاحه في الفهم عن الله ورسوله . . . وبخاصة في هذه الجامعة التي معظم طلابها من غير العرب ، فلا سبيل لتثبيت العربية في ألسنتهم وأقلامهم إلا عن طريق القدوة والمحاكاة فعلى المدرس إذن أن يتجنب كل لغة ملحونة ، وأن يلتزم الفصحى وحدها في كل حوار مع الطلاب .
وهكذا الشأن في نهاية العام الدراسي ، إذ يعقد مع المدرسين اجتماعا عاما آخر ، فيتدارس وإياهم شئون المقررات وملاحظاتهم عليها ، ورأيهم في مسيرة الدروس ، وفي سلوك الطلاب ، وما قد جمعوه من الانطباعات أثناء العام ، ويحثهم على الكتابة عن كل ما يرونه مفيدا للجامعة ، ليعرض على مجلس الجامعة لدراستها والانتفاع بكل صالح منها .
4- وفي دار الحديث التابعة للجامعة- ومن ثم في الجامعة- تلقى المحاضرات الأسبوعية من قبل الأساتذة في مختلف الموضوعات على مدار العام الدراسي إلا فترة المذاكرة للاختبارات والامتحانات ويشرف الشيخ- حفظه الله- بنفسه على محاضرات الموسم هذه ، لا يكاد يعيب عن إحداها إلا تحت ضغط الضرورة ، ولا تعدم المحاضرة تعقيبا منه يوضح غامضها ، ويوسع بعض جوانبها على قدر ما يرى لها من الأهمية .
فإذا كانت المحاضرة له اختار لها الموضوع الذي يمس القلوب والعقول ، حتى إذا جاء موعد الأسئلة حول بعض النقاط ، أفاض على مستمعيه بما يكفي ويشفي ؛ وكثيرا ما ينتهز السامعون هذه الفرصة ، فيوردون على الشيخ- حفظه الله- ألوان الاستيضاحات التي تحمل صفة الاستفادات ، فتأتي أجوبته عليها جامعة مانعة ، لا تلبث أن تتردد على الأفواه . وقد كتب عنه أحد الأساتذة في مقدمة محاضرة ألقاها الشيخ عبد العزيز عن سيرة المجدد المصلح الإسلامي الشيخ محمد بن بن عبد الوهاب - رحمه الله- : " وفي العقائد كان - الشيخ بن باز- مثال الاعتدال لا هو من أولئك المتطرفين الذين يطلقون عبارات الشرك على كل صغيرة كبيرة ، ولا هو من المتساهلين الذين يغضون النظر عن صغار الأمور ، بل إنه لينبه على الصغيرة والكبيرة ، ويضع كل شيء في موضعه ، يجعل الشرك شركا والبدعة بدعة " .
وفي العالم الإسلامي : ولا يقف نشاط الشيخ- حفظه الله- العلمي والعملي عند حدود الجامعة وحدها ، على الرغم من عظم أعبائها ، بل إن- نشاطه هذا ليمتد إلى الأقاصي البعيدة من وطن الإسلام ومهاجر المسلمين فهناك المدرسون الذين ينتدبهم باسم الجامعة للتدريس في أكثر من مؤسسة علمية ، أو مدرسة وجامعة أثرية ، وبخاصة في الهند وإفريقية وباكستان .
وهناك المتفوقون من متخرجي الجامعة الذين يقدمهم الشيخ إلى مجلس الدعوة الإسلامية . بالرياض من أجل انتدابهم لخدمة الدعوة في بلادهم وغير بلادهم ، وقد تجاوز عددهم . حتى اليوم المئة ، وهم يعملون ليل ونهار في تعليم المسلمين دينهم الحق ، وصراطهم المستقيم ، وتحصينهم من التيارات الهدامة ، سواء منها الفرقة الضالة ، أو القاديانية المرتدة ، أو التبشيرية الخادعة ، وغيرها من القبورية والمناهج البدعية - أعلى الله لهم منارا وأخمد لأعدائهم نارا- .
ولقد بذل الشيخ- سدد الله أمره- قصارى جهده لإمداد المسلمين بالكتب النافعة التي هم بحاجة إليها ، في نطاق التدريس أو المطالعة ، واستجابت المؤسسة الحكومية لاقتراحاته ، فوضعت لتوزيع . الكتب نظاما شاملا يتيح لكل منها أن تسهم . في هذا المضمار بالقسط المناسب ، وفي الجامعة الإسلامية دار لتوزيع الكتب يتلقى الكتب والمطبوعات الإسلامية من مختلف الدوائر المعنية بالدعوة في المملكة ليقوم بتوزيعه على الجهات المحتاجة في مختلف أنحاء العالم ، ويعرف اليوم باسم / مركز شئون الدعوة .
وهكذا أصبحت الجامعة الإسلامية بفضل الله وحده ، ثم بجهود هذا العالم الداعية الصالح ، مركز إشعاع ومنبع نور ، ومصدر علم وهدى ، لا على نطاق المدينة النبوية وحدها ، بل على مستوى العالم الإسلامي كله . يضاف إلى ذلك عمله الجاد في مد نشاطات الجامعة ، فهو لا يرضي الوقوف بها عند حد مهما يبلغ من الجلال ، بل يريد لها تحركا متصلا في طريق النمو .
6- أقسام وكليات : لقد بدأت الجامعة عام 1381 هـ ذات مرحلتين ، ففي جانب معهد للدارسة الإعدادية والثانوية ؛ وفي الجانب الآخر كلية الشريعة وعلومها ، وهي الآن- ولله الحمد والمنة- تضم مع المعهدين شعبة خاصة لتعليم العربية لغير العرب ، وإلى جانب كلية الشريعة أربع وهي : كلية أصول الدين والدعوة .
والثانية : كلية القرآن الكريم وهي الوحيدة من نوعها في العالم كله ، وقد استقبل افتتاحها بموجة من الاستبشار في أنحاء العالم الإسلامي ، وتلقت الجامعة فيها تهاني أكابر علماء الإسلام والثالثة : كلية الحديث الشريف وعلومه والرابعة : كلية اللغة العربية وآدابها . مع أقسام عدة للدراسات العليا- الماجستير والدكتوراه .
وهذه الجهود كلها بإشراف من ساحته- حفظه الله- وإن كان بعض المنشآت قد تم بعد انتقال الشيخ إلى عمله الجديد في الرياض ، إلا أن التخطيط له سبق انتقاله ، وكان له الأثر البعيد في التوجيه إليه ، ذلك أنه يرى للجامعة رسالة علمية عالمية تستدعي تجهيزها بكل الإمكانات التي تساعدها على أدائها . وقد أعانه الله على هذه الخطة الرشيدة ، والطريقة الحكيمة ، بإدارة من خيار الرجال ، وأفاضل المستشارين تشاركه النظرة الثاقبة إلى رسالة الجامعة ودورها البناء في إرساء تعاليم الإسلام وقيمه وأهدافه وحظي- ولله الحمد والمنة- بتقدير المسئولين وما ذاك إلا لإخلاصه وفضله ، يدفعهم للاستجابة إلى كل ما يطلب من الاعتمادات المالية لتحقيق هذا الطموح .
7- مشهد لا ينسى : نختم هذه الجهود العلمية الرائعة في الجامعة بمشهد معبر محزن لا ينسى ، إنه مشهد وداع الشيخ- رعاه الله- للجامعة الإسلامية ، ويعبر عن ذلك الشيخ محمد المجذوب بقوله : " كان انتقال الشيخ- رعاه الله- إلى منصبه الجديد في الرياض مفاجأة لكل من في الجامعة مدرسين وطلابا وموظفين ، لا يشبهها إلا فقدان أسرة راعيها الحليم الرحيم الكريم .
وذات يوم عاد إلى المدينة النبوية ، التي أحبها من شغاف قلبه ، عاد إلى الجامعة الإسلامية التي خالطت لحمه ودمه ، عاد إليها في زيارة عابرة ، فكانت فرصة مرموقة للاجتماع على وداعه . وفي مسجد الجامعة احتشد هؤلاء ليعبروا عن تقديرهم . للرجل الذي خالط حبه دماءهم ، فكانت هناك كلمات أملاها الإخلاص دون إعداد ، حتى جاء دور الشيخ للتعقيب عليها ، فإذا هو يتعثر في التعبير ، إذ غلبه التأثر فلم يتمالك أن يبكي . لقد كانت تلك الدموع الحارة أبلغ خطاب سمعته للشيخ ، بل وأشد خطبه المبينة تحريكا لمشاعر سامعيه ، حتى غمر التفاعل كل من في المسجد ، فهم بين باك في صمت ومعول في نشيج . . وما أحسب ثمة بيانا أدل على مدى الترابط الروحي بين الشيخ وهذا الجمع في مثل ذلك الموقف .
ووجدت في نفسي دافعا لا يدفع إلى الكلام في أعقاب هذا المشهد المثير فكان مما جرى به لساني هذان البيتان :
بكينا وفاء لامرئ قل أن يرى *** له في الدعاة العاملين نظير
فخلوا ملامي إن ألح بي البكا *** فإن فراق الصالحين عسير
وحقا لقد كان فراق الشيخ ابن باز للجامعة الإسلامية عسيرا ، لأنه فرق بينها وبين الرجل الذي باشر غرسها من أول أيامها ، ثم مضى يسبقها ذوب قلبه ، ويبذل لها من الجهد ما لا يضاهيه إلا سهر الأم على طفلها الحبيب . فجزاه الله عن الجامعة وأهلها ، وعن الإسلام الذي وهب نفسه كلها لها ، خير ما يجزي الدعاة العاملون المصلحون " .

~ ويبقى الأمل ...