الموضوع: التهويدة
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2017, 01:24 PM
المشاركة 32
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...
ننتقل لقراءة الجزء الثالث من هذا النص الجميل :
------
لم أعد أتذكر..
حتى وردة النار ذات البتلات المشتعلة نسيتها..
وما عدت أستطيع قطفها..
سمعت وقتها أن غيمات من غزل البنات, بللتها ذات يوم فذبلت..
حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني، وأمامي يقف المنفيين الى ذاكرتي. اولئك الغرباء المجهولين الذين رأيتهم في الطرقات والامكنة البعيدة.. ذوي الملامح الممسوحة، محبوسين هناك للأبد.. فقط هم ولا أحد غيرهم.
بعد ذلك لم أتذكر سوى ذلك القرصان الأحول، وبيده بندقية في يوم صباح غائم، وهو يحاول إطلاق النار على طفل يقف بجانبي. وحينها استيقظت على صوت غناء أمي الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعري المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح.



اولا نجد ان القاص قد كرر في بداية هذا الجزء كلمات " لم اعد اتذكر" فاكد من ناحية على وحدة النص وفي نفس الوقت اشار الى سر في شخصية بطل النص جعله لا يتذكر الا القليل الذي هو بصدد سرده على المتلقي، واحد تلك الاحتمالات المرتبطه بذلك السر هو ان يكون يسرد علينا ما علق في ذهنه من حلم رأه كما هو الحال في الجزئين الاول والثاني.

وهذا هو الارجح لاننا نجد القاص يخبرنا بصريح العبارة في نهاية هذا الجزء ان بطل النص قد استيقظ من نومه على صوت امه الهامس وهي تغني له كما كانت تفعل وهو طفل صغير.

فلعل احداث هذ الجزء العجائبية ما هي الا جزء من ذلك الحلم الذي ينتمي الى عالم الاحلام وعالم الخيال السحري العجائبي.

ولاشك ان عجائبية السرد هنا بحد ذاتها تؤيد احتمالية ان تكون جزء من حلم راه بطل النص ويرويه علينا القاص ليؤكد على فكرة النص العامة، والتي تتمحور حول اثر الفقد في شخصية بطل النص، وكيف ان الاحلام كانت ملجأ له للتعبير عما يجول في ذهنه من الم الفقد، او هي تنفيس لما احتقن هناك كما يقول علم النفس.

كيف لا وهو يتحدث عن بتلات وردة النار المشتعلة، وهذه المعلومة عكس الواقع، حيث من المعروف بأن وردة النار لا تشتعل لو تعرضت للنار، وانما تصدر لمعانا ازرقا ثم تنطفيء النار وتعود الوردة الى حالها، كما تقول المراجع ، وهو ما اكسبها اسمها " وردة النار" ومنحها سحرية نادرة.

ليس ذلك فقط وانما يخبرنا بطل النص بأنه لم يعد يستطيع قطف وردة النار بسبب اشتعالها طبعا! وهذا بعيد عن الواقع ايضا ويؤشر الى ان الحدث غير واقعي او ربما يعكس حالة نفسية مضطربة وحال اقرب الى الهذيان من الواقع ان لم يكن جزأ من السيناريو الثالث لحلم رأه بطل النص في نومه.

ويفسر لنا بطل النص سر عدم قدرته على قطف وردة النار فيقول ان ذلك يعود لان غيمات من غزل البنات بللتها فذبلت ولم يعد بامكانه قطافها، وهذا ايضا لا ينتمي الى عالم الواقع فغزل البنات مكون من السكر، والسكر مادة مشتعلة وتزيد الاشتعال فكيف تذبل وردة النار اذا وقد بللتها غيمات من غزل البنات؟

واي مخلة هذه التي تبدع مثل هذه الصورة الذهنية فتجعل بطل النص غير قادر على قطف وردة النار المشتعلة لانها تبللت من غيمات مصنوعة من غزل البنات؟!

ونجد هنا ان القاص عاد في هذه الاسطر الاولى لحشد عناصر جمال وتأثير فهو استخدم كلمات تثير الحواس ( قطفها، وسمعت) وفي نفس الوقت اسثتثمر التضاد لايقاع اقصى حد من التاثير على المتلقي فنجده يتحدث مرة عن وردة مشتعلة لكنها ذبلت لانها تبللت...وقد نجح فعلا هنا في ايقاع اثر سحري على انا كمتلقي. وفي الحديث عن اشتعال الوردة وغيمات غزل البنات ما يوحي بالحركة ويجعل المشهد دراميا خاصة ان بطل النص يتحدث عن فشله في قطف تلك الوردة وهذه الحركة والدراما جعلت هذه الاسطر تضج بالحياة، وبالتالي ايقاع اثر عظيم.

يتبع ...