الموضوع: التهويدة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
41

المشاهدات
11675
 
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية

مبارك الحمود is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
36

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2008

الاقامة

رقم العضوية
6062
08-13-2017, 06:31 AM
المشاركة 1
08-13-2017, 06:31 AM
المشاركة 1
افتراضي التهويدة
التهويدة

لم أعد أتذكر..
تهويدة أمي الهامسة رحلت.. غادرتني كفراشة ربيع، وأنا مازلت طفلا على فراش النوم..
لا أتذكر سوى أني استيقظت على صباح أزرق لسماء زجاجية, وباب البيت خلفي مغلق، وعملاق النسمات الليلية يقف بجانبي.. كان يحمل مصباحا مطفأ وحقيبة، يقف بوجوم بجانبي، وأدركت حينها أن علي أن أتبعه.. سلكنا طريقا على جانبه تقف هيالم ومخلوقات تارسير, تحملق فينا بعيون واسعة مبحلقة.. مررنا بعدها بجبال مقلوبة على قمتها حتى وصلنا مدينة المرايا بشعبها البشع، ومضينا بدربنا حتى وقفنا عند سكة القطار، حيث نافذة تقبع على قضبان السكة, ففتحها العملاق.. كانت تطل على سماء, شعرت ببرودة تهب منها.. وسمعت تهويدة أمي تنبعث هامسة, بصوتها الهادىء, مشبعة برائحة أعشاب ندية, وحينها استيقظت ولم أعد أتذكر.. لم أعد أتذكر.. صدقا لم أعد أتذكر..
......
دولابي الخشبي أصبح يحمل ثيابا أوسع مني, وغرفتي معلق على أحد جدرانها صورة ذئب شاب يرتدي بزة ملازم, وعلى سريري بعض الشعر المتناثر..
بالخارج لم أعد أتذكر.. كل تلك الأشياء الصغيرة, كالورقة المكورة الملقاة في الشارع, كالموجة الصغيرة, التي من بين ملايين الأمواج ارتمت على أصابع قدمي, كربطة شعرها حينما خطفتها الهبائب, فتعلقت على مقود دراجتي قليلا, لتخطفها هبة أخرى, لتكمل طريقها إلى حيث لا أدري.

....

لم أعد أتذكر..
حتى وردة النار ذات البتلات المشتعلة نسيتها..
وما عدت أستطيع قطفها..
سمعت وقتها أن غيمات من غزل البنات, بللتها ذات يوم فذبلت..
حينما وصلتُ للمكان, وكان ورائي جمع يتبعني، وأمامي يقف المنفيين الى ذاكرتي. اولئك الغرباء المجهولين الذين رأيتهم في الطرقات والامكنة البعيدة.. ذوي الملامح الممسوحة، محبوسين هناك للأبد.. فقط هم ولا أحد غيرهم.
بعد ذلك لم أتذكر سوى ذلك القرصان الأحول، وبيده بندقية في يوم صباح غائم، وهو يحاول إطلاق النار على طفل يقف بجانبي. وحينها استيقظت على صوت غناء أمي الهامس، وهي تمسح بيدها برفق على شعري المقسوم نصفين من جانبه، ونافذة مرصعة بالنجوم تهب منها نسمة حركت الستائر وأطفأت المصباح
.