عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2651
 
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية

صالح اهضير is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
35

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Apr 2014

الاقامة

رقم العضوية
12834
11-06-2016, 07:58 PM
المشاركة 1
11-06-2016, 07:58 PM
المشاركة 1
افتراضي الْجـَــــــــــــــــــــــــــلاَّدُ
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

[justify]
في احتفاء خاص، قال مدير المجزرة،بعد مقدمة طويلة، وهو يصافح الرجل بحرارة فوق المنصة في صالة اكتظت بحشد من الموظفين :" تقديرا لأعمالكم الكبيرة،وما بذلتموه من جهود مشكورة وأسديتم من خدمات جليلة لهذه المؤسسة النبيلة، فإننا نعبر لكم عن محبتنا ونعرب لكم عن أصدق أحاسيس وفائنا وخالص امتناننا العظيم، آملين بعد نهاية خدمتكم هذه أن تنعموا،خلال حياتكم الجديدة، بالصحة الموفورة والعمر المديد..."
دوت القاعة واهتزت بالهتافات والتصفيقات الحارة.. بعدها، انسل هو خارجا محملا بالهدايا وشهادة تقديرية..
كان عليه أن يبتسم وأن تنتاب فضاء أحلامه فرحة عارمة بل وأن ينعم بِكُلّيته ولو بمثقال ذرة من انفراج ،كما طائر يندفع مُنْسلاًّ من قفصه حرا طليقا ،لكن امتقعت ملامح وجهه وأبدى استياءً وأحس بانقباض في أحشائه..
أغلب الظن أن نازعا من نوازع التملي بطلعة المقتادين الى المقصلة، وإرواء لغلة وإشباع لحاجة من جز الرقاب،لا تزال تجتاح مخيلته وتُسيل لعابه..حنين لحاجة تراوده جبرا لا اختيارا، وتسري في أوصاله فلا يستطيع منها خلاصا كما المتعطش اللهفان..
تحركت النفس الأمارة بالحسنى في دخيلته تسدي له النصح :"على رسلك يارجل.. ها قد أرحت واسترحت.. لا بد لكل شيء من نهاية..هل كنت تروم الى جلد الذوات وخنق الأنفاس أبد الآبدين..عُدْ الى رشدك ..ودَعْ أحلامك وأمانيك ترحل لما هو آت ؟؟
السيف والنطع والجلاد والضحية رباعي متلازم يستحيل الفصل بينها..تناهى الى بؤرة اعتقاده أنه بخروجه من دائرة هذا الرباعي قد أضاع هذا التكتل انسجامه فأضحى هو بذاته كنشاز ملفوظ ..
هو اللحظة يبدو متماسكا ومحتفظا ببعض قواه العضلية بالرغم مما اقترفته يداه من بطش بالأبدان، وبالرغم من توالي السنين..يسرح بعيدا فتحمله صهوة الذكرى في اتجاه الميدان العام الفسيح،حيث الحشود الجماهيرية المتلهفة للمشهد المرعب،وفي دواخلها تتوقد جذوة غريزة حب الاستطلاع مترقبةً.. بضع سيارة لرجال الأمن المتلألئة الأضواء تطوق المكان..
عجوز متهالكة الأوصال بالكاد تخطو بخطى وئيدة .. تكبو ثم تستقيم بصعوبة بالغة.. موثقة اليدين يقودها حارسا أمن نحو النطع الرهيب.. في ذهول،تلتفت وراءها بين حين وآخر محاولة التنصل من بين ذراعيهما والرجوع القهقرى مقاومةً شواظ الموت بآخر فرصة مما تبقى لها من الحياة..تستغيث وتصرخ..تبتلع الثمالة الباقية من ريقها..تنهار متهاوية على الأرض..
كان هو يراقبها من كثب غير آبه ..يمسك بسيفه البتار مقلبا إياه من كل الزوايا والأبعاد ويتحسسه ببطن أنامله الغليظة لاختبار مدى حدته..ينتظر بلهفة إشارة الجزر..
تستجديه متوسلة.. تنوح نواح الصبايا : "والله العظيم أنا بريئة... بريئة..!! لست أنا القاتلة لحفيدتي الصغيرة..كيف يحدث ذلك بالله عليكم..؟ هذا ظلم..ياناس حرام عليكم..!!".
كانت محشوة في ثوب أسود مثل سواد الموت..يُعدّل الجلاد من وضعها فلا تهدأ ولا تسكن ولا ترعوي..وفي نهاية الأمر،تحرك بداخله نزر من إشفاق ولم يجد بدا من تهدئة روعها فقال :" يا امرأة استغفري ربك.. إنه القصاص.. ! وانا لست سوى عبد مأمور".. قال ذلك وهوى بلا تردد بسيفه على العجوز بضربة قاضية سُمع لها صخب ودوي في كل شبر من أرجاء المكان..
كلما أشرق فجر يوم جديد،هب من كوابيسه المزعجة مدعورا وتمثلت له ضحاياه أبدانا بلا رؤوس..تعدو من ورائه وقد تضخم منها البدن وازداد طوله تمددا.. تطارده في حله وترحاله... ترعب كيانه وتهز وجدانه بصيحاتها ونواحها في غور المساءات البهيمة...يسابقه ظله بخطى رهيبة نحو غياهب المجهول ..
ما أن يركن إلى بعض الراحة قليلا حتى تشرع في مصارعته من جديد لتملأ سحائب أيامه رعبا وكَمَداً، فيهرع الناس والأحباب والرفقاء منه نافرين..يعدو في كل المتجهات صارخا مستنجدا :" رحماك ربي..الغوث..الغوث..".
هو ذا اليوم منكب على نفسه مدحورا يشقى بلهيب ذكراه ،ولم يدخر حاضره جهدا بالإمساك بتلابيبه وبخناقه ليرديه صريعا يتلوى ويتخبط تخبط ضحاياه في ساحة الموت.. يلتمس خانعا من ربه المغفرة واللطف.. يتمنى لو تنأى به أفراس أقداره هناك بعيدا إلى ما وراء السديم.. هناك حيث جلال السكينة.. سكينة الأبد الكبير...!!

[/justify]