الموضوع
:
المغرب ولعنة بائع السمك
عرض مشاركة واحدة
11-04-2016, 02:53 AM
المشاركة
16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
مأساة بائع السمك وغضب الشارع المغربي
د. عبد العلي حامي الدين
Nov 04, 2016
الحادث المأساوي الذي عاشته مدينة الحسيمة في شمال المغرب نهاية الأسبوع الماضي لم يكن حدثا عاديا في تاريخ المغرب؛ فصورة مصرع بائع السمك محسن فكري مطحونا في حاوية أزبال بطريقة بشعة كان منظرا صادما للشعور الإنساني للمغاربة ودافعا لغضب الشارع المغربي ونزوله للشوارع للاحتجاج.
كانت أربع وعشرين ساعة كافية لإطلاق دعوات الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي ونقلها من العالم الافتراضي إلى الواقع العملي..
الصورة التي تناقلتها صفحات آلاف النشطاء على الفيسبوك مرفقة بعبارات الغضب ضد «الحكرة» الاحتقار وضد الإهانة التي تعرض لها شاب مغربي في مقتبل العمر يعيش من عرق جبينه على بيع الأسماك، كان تأثيرها واضحا على المزاج الشعبي الرافض لتعرض مواطن مغربي للوفاة بتلك الطريقة..
بدون شك، تم نسج الكثير من الروايات التي تفتقر إلى الدقة، تحت تأثير العاطفة وباستحضار مخزون من القهر الذي مارسته السلطة في المغرب خلال عقود سابقة ضد المغاربة عموما وضد سكان الريف بصفة خاصة، وهو ما ساهم في إذكاء فتيل الاحتجاجات التي حافظت، رغم قوتها، على سلميتها وطابعها الحضاري..
التعليمات الملكية كانت سريعة وصارمة بضرورة فتح تحقيق مستعجل ينبغي أن يصل إلى مداه، قصد إيقاع الجزاء بكل من ثبت تورطه في هذه الفاجعة، كما انتقل وزير الداخلية إلى بيت الفقيد قصد تقديم واجب العزاء إلى العائلة المكلومة..
لكن، وبغض النظر عن نتائج التحقيق المنتظر لتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بفاجعة وفاة المرحوم محسن فكري، وبغض النظر عن الملابسات التي أحاطت بالحادث المؤلم، وبغض النظر عن محاولات التوظيف السياسوي لهذا الحادث المأساوي لتصفية حسابات حزبية ضيقة، فإن الرأي العام الغاضب الذي خرج إلى الشارع في أكثر من 13 مدينة، حمل رسالة واحدة تتجاوز واجب التضامن مع الضحية وعائلته المكلومة، وتتجاوز مطلب التحقيق النزيه والشفاف وإيقاع الجزاء بالذين تسببوا في هذه الفاجعة، وتتجاوز التأثير الظرفي للصورة..
لقد حملت احتجاجات المتظاهرين رسالة واحدة وهي: إرادة العيش بكرامة ورفض جميع مظاهرة الحكرة والعجرفة النابعة من عقليات قديمة لازالت تعشش داخل الإدارة المغربية.
الرسالة الحقيقية التي ينبغي التقاطها والتفاعل معها بالجدية اللازمة، وهي أنه آن الأوان لحوار وطني واسع من أجل الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة الأمن والداخلية.
آن الأوان لنفض الغبار عن إحدى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بإصلاح جهاز الأمن وإطلاق ورش الحكامة الأمنية.
يتعين الانتباه أكثر من أي وقت مضى بأن النظرة العميقة التي تختزنها ذاكرة كل مواطن حول الإدارة هي نظرة سلبية، كما أن التراكم الذي يحتفظ به كل مواطن في علاقته بالإدارة الترابية ممثلة في القايد أو الباشا أو الشيخ أو المقدم هو تراكم سلبي ملؤه احتقار المواطن والاستخفاف بذكائه..
ذاكرة المواطنين تحتفظ بوقائع مسيرة العار بالدار البيضاء التي تورط فيها عدد من مسؤولي الإدارة الترابية وحشدوا لها مئات المواطنين المغلوبين على أمرهم، قاموا من خلال تصريحاتهم التلقائية بالتعرية على القيم التي تتحكم في بعض هؤلاء المسؤولين، وهي قيم العجرفة والتسلط والحكرة واحتقار المواطن…
تحتفظ ذاكرة المواطنين بالتدخلات العنيفة للقوات العمومية لضرب الحق في التظاهر السلمي وتأجيج غضب الشارع من خلال الإفراط في استخدام القوة بغية الإمعان في تحطيم كبرياء المواطنين وتركيعهم..
لازالت الذاكرة تحتفظ بحادث إقدام السيدة فتيحة على إحراق جسدها بعد إحساسها بالحكرة والإهانة من طرف رجل سلطة من درجة قايد…
ولازلنا نتابع العلاقات المشبوهة بين بعض الصحافة المشبوهة وبعض المسؤولين الذين نسوا مهمتهم الأصلية وتفرغوا لمتابعة السياسيين وإحصاء أنفاسهم في محاولة للظفر بهم في مواطن الشبهة لإنعاش الصحافة الفضائحية بأخبار حميمية تتجسس على الحياة الخاصة للناس…
لهذه الأسباب وغيرها، تصبح المطالبة بإصلاح منظومة الأمن والداخلية من أولى الأولويات خلال المرحلة القادمة..
رحم الله محسن فكري، وجعل وفاته مناسبة لإطلاق دينامية
إصلاحية جديدة تعود بالنفع على البلاد والعباد.
٭ كاتب من المغرب
رد مع الإقتباس