عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2016, 09:40 AM
المشاركة 20
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

خاتمة



ـ " كانت تلك هي قصتكم مع الظلاميين.."
قلتها وأنا أمسح العبرات من وراء عويناتي .. ثم وضعت رزمة الأوراق تحت إبطي اعتمدت على الأرض بكفي كي أنهض.. نفضت كفيا و ألقيت نظرة على الصبية المتحلقين .. كانت عيونهم متسعة وأنفاسهم متلاحقة من فرط الانبهار.. لوحت لهم بكفي مبتسماً :
ـ " شكراً على حسن استماعكم .. يمكنكم العودة للعب الكرة.."
واستدرت لأنصرف فنهض الصبية وتشبثوا بي وانهالت علي أسئلتهم :
ـ " ماذا حدث لبني الأصفر بعدها ؟"
ـ " يمكنكم معرفة هذا من خلال متابعة نشرات الأخبار؟"
ـ " أين ذهب السيد وسام ؟ والمسئول الأسبق عن شعبنا ؟"
ـ " لا يهم أين ذهبوا.. المهم أنهم سلموا الراية ليد أمينة .."
ـ " من أنت أيها العم الرائع ؟"
استدرت إليهم ببطء .. كانت عيونهم تشع ذكاءً..
رفعت طرفي إلى الأفق وغمغمت :
ـ " أنا... أنا الذاكرة التي تحيا بها الشعوب .."
ـ " ما هو دورك في القصة؟.. حدثنا أكثر عن نفسك .."
ابتسمت وشرد بصري بعيداً.. بعيداً.. وسمعت الجواب في عقلي قبل أن تهمس به شفتي :
ـ " ليس الأن!"
وتركتهم وعدت أواصل طريقي شاعراً بالطمأنينة تتسرب إلى نفسي..
فقد تركت خلفي صبية .. بذاكرة رجال ..

***

جلست أحتسي الشاي الذي أحضره لي صاحب دار النشر الذي وعدته منذ عامين بقصة ملحمية جيدة.. الحمد لله لم يمت كما توقعت لكن..
ترى هل ستروق له؟
رفع عينيه عن الأوراق وتمتم :
ـ "رائع كعدي بك.."
ابتسمت في ارتياح.. لكنه قطب جبينه مردفاً :
ـ " لكن أنت تعرف أن السوق هذه الأيام له متطلبات أخرى.. منذ عامين كان يمكن لمثل ملحمتك تلك أن تحقق أعلى مبيعات.. لكن حالياً.."
وقطع عبارته مشيراً إلى عدد من المطبوعات المتناثرة على مكتبه في إهمال.. مررت بعيني على عناوين بعضها فكدت أصاب بالفالج..
" التنين الأزرق " " في صحبة الأرواح " " توقعات الأبراج للعام الدراسي الجديد " ... لم استطع المواصلة..
جذبت قصتي برفق من أمامه ففهم أن رسالته قد وصلت.. قال متلطفاً :
ـ " يمكن أن ننشرها لك مع بعض التعديلات و..."
نظرت إليه بثبات..
ـ " ما زلت أذكر كلامك عن الذكريات التي لم تعد ملكاً لي ويجب أن تطلع عليها الأجيال القادمة لترسخ في وجدانها.. الذكريات التي لم تعد ملكاً لصاحبها هي ليست ملكاً لرغباتك من باب أولى"
ابتسم قائلاً :
ـ " هذه ليست وجهة نظري.. بل وجهة نظر السوق في وقتها.."
ـ " فهمت.."
واعتدلت قائماً وعادت قصتي تحت إبطي الدافئ..
ـ " إلى أين يا رجل.."
تحاشيت النظر إلى وجهه وأنا أجيبه :
ـ " لقد اكتشفت اكتشاف خطير بخصوص قصتي.."
ـ " أنها بحاجة لبعض التعديلات.."
ابتسمت له مكشراً عن أنيابي قائلاً :
ـ " لا.. لقد اكتشفت أنها لم تنتهي بعد.. "
ـ " ماذا بعد؟ ألم نقضي على الظلاميين.."
ـ " لا بعد.."
نظر لي في عدم فهم.. لم أدر لماذا بدا لي وجهه في تلك اللحظة متبلداً كوجه وحيد القرن.. قلت له موضحاً وإن كان لا يستحق :
ـ " الظلامي ليس فقط من يحيا تحت الأرض ويعيش على امتصاص دماء الأخرين.. هناك ظلاميين يعيشون بيننا في النور يرتدون البزة الأنيقة.. وربطة العنق المنمقة ويتكلمون من أنوفهم.. ويؤدون لأعدائنا نفس الغرض.. بأساليب مختلفة.."
ضيق عينيه محاولاً أن يستشف ما وراء كلامي :
ـ " من تقصد؟ "
نظرت لبزته الأنيقة وربطة عنقه المنمقة ثم إلى مطبوعاته.. وابتسمت..
وحينما استدرت مغادراً سمعته من خلفي يبرطم..
ـ " متى ستنتهي قصتك (الجملي) تلك؟.."
طبعاً رددت عليه دون أن التفت الرد الذي مللتموه جميعاً..
ـ " ل.. ي.. س.. ا.. ل.. آ.. ن"

***
تمت
عمرو مصطفى
القاهرة
4 جمادى الأولى 1437
13 فبراير 2016

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..