عرض مشاركة واحدة
قديم 09-15-2010, 02:37 AM
المشاركة 36
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة، ومن الألمنيوم بتسع وعشرين مرة،ولا يفوقه قوة سوى الكوارتز المصهور، وتبلغ قوة احتماله ثلاثمائة ألف رطل للبوصة المربعة. فإذا قُدِّر وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت، فيُمْكِنه حَمل طائرة ركاب كبيرة بكل سهولة.
ولذلك أطلق عليه العلماء اسم الفولاذ الحيوي )، أو( الفولاذ البيولوجي )، أو( البيوصلب ). وهذه ‏الحقيقة يستطيع الإنسان أن يكتشفها بنفسه؛ حيث يمكنه بسهولة إزاحة بيت العنكبوت بسبب وزنه ‏الخفيف، ولكن يصعب عليه قطعه، أو تغيير شكله الهندسي الدقيق! قال الدكتور محمد الفار أستاذ ورئيس شعبة الكيمياء الحيوية بعلوم المنصورة في مقال له نشر في جريدة الأهرام:” نجح العلماء أخيرًا في استخدام طرق الهندسة الوراثية لإنتاج خيوط العنكبوت عن طريق جينات مستخرجة من العنكبوت نفسه، وهي أقوى من خيوط الحرير‏.‏ ولذلك فإن هذه الطريقة ستتيح لهم التوسع في استخدام تلك الخيوط العنكبوتية لصناعة سترات واقية من الرصاص من نسيجه‏,‏ وخيوط جراحية بمواصفات جيدة‏ “.
‏فهل كان القرآن الكريم حين أخبر أن بيت العنكبوت أوهن البيوت على الإطلاق- يجهل هذه الحقائق، التي كشف عنها العلم مؤخرًا عن طبيعة هذا الخيط، الذي نسج منه بيت العنكبوت؛ كما يدعي أعداء القرآن؟ وهل كان الكفار والمشركون يجهلون أيام نزول القرآن الكريم أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت، أم كانوا يعلمون ذلك؟ وإذا كانوا يعلمون، فلم نفى الله سبحانه وتعالى عنهم علم ذلك؟ أما السؤال الأول فلا نجد في كتب التفسير له جوابًا. وأما السؤال الثاني فأجابوا عنه بأنهم كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت، وأنه سبحانه لم ينف عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت؛ وإنما نفى علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتًا، فلو علموا ذلك، لما فعلوه؛ ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزًّا وقوة، فكان الأمر بخلاف ما ظنوا. ولهذا نجد علماء التفسير يذهبون إلى أن قوله تعالى:﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾ جملة حالية؛ لأنه من تتمة التشبيه. أو جملة اعتراضية بين قوله:﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾، وقوله:﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾. وإلى كونه جملة اعتراضية ذهب الزمخشري.
وإلى كونه جملة حالية ذهب الطيبي. وقال صاحب الكَشْف: كلام الزمخشري إلى كونه اعتراضية أقرب. وعلى القول بأنه جملة اعتراضية يكون التقدير هكذا: كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا- لو كانوا يعلمون- وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت. وعليه فإن﴿ لَوْ ﴾- كما قالوا- شرطية متعلقة بقوله تعالى:﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَكَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾، وجوابها محذوف، تقديره: لو كانوا يعلمون شيئًا من الأشياء، لعلموا أن هذا مثلهم. أو: لو كانوا يعلمون أن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن، لما اتخذوه دينًا. أو: لو كانوا يعلمون وهن الأوثان، لما اتخذوها أولياء من دون الله تعالى. وقد ذكرنا من قبل أن هذه الجملة استئنافية، جيء بها لبيان صفة العنكبوت، التي يدور عليها أمر التشبيه، وهي جملة خبرية مقيَّدة بالعبارة الشرطية:﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾. وهذه العبارة الشرطية تنفي صراحة علمهم بأن أوهن بيت على الإطلاق هو بيت العنكبوت. أما نفي علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا فهو مبنيٌّ على نفي علمهم بأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت. ويدل عليه تشبيه الأول بالثاني.
ويدل عليه أيضًا أن الله تعالى قال:﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾، فأتى بأداة الشرط:﴿ لَوْ ﴾المتضمنة معنى التمني؛ لينفي بذلك علمهم مع تمني حصول ذلك العلم منهم. ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾(العنكبوت:64). لاحظ كيف جاء قوله تعالى:﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾مؤكَّدًا بـ﴿ إِنَّ ﴾، وباللام في خبرها﴿ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾، ثم قيِّد بالعبارة الشرطية، التي تنفي علمهم بذلك، مع تمني حصول ذلك العلم منهم؛ وهي قوله تعالى:﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾. ولكن هيهات، هيهات أن يعلموا ذلك. ولو جاء من يعلمهم به، لظلوا في ظلمات جهلهم غارقين.. ومثل هذا الأسلوب في القرآن كثير لمن أراد التأمل والتدبر. ويبيِّن ذلك أن الأصل في﴿ لَوْ ﴾أنها أداة تمن، ثم نقلت إلى الشرط؛ وذلك من باب تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد؛ ومن خواصِّها فرض ما ليس بواقع واقعًا، وتستعمل فيما لا يُتَوقَّع حدوثُه، وفيما يمتنع حدوثه، أو فيما هو محال، أو من قبيل المحال، سواء كانت في عبارة شرطية؛ كقوله تعالى:﴿ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾(التوبة:81).


يتبع ...