عرض مشاركة واحدة
قديم 01-23-2016, 05:20 PM
المشاركة 2
محمّد الموصلي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
Post
تامر..
آهٍ .. يا صديقَ الرّوحِ وآحسرتي وطولُ عنائي.. فَات الزّمانُ ولم أفُـز بلقاءِ.. هيـهاتَ قـد خَـابت مُنـايَ أسيرة وانحَـلّ عقدُ رجـائي..
ماذا أرتجي وقـد جَـدّ وجـدي وعَـزّ عـزائي..
حتّى رأى المُحـبّونَ سقمي ودلّـهُم على ضـعفِي عَبـرةٌ وزَفـيرُ, فقالوا تجمّــل إنّ المـحبّ صَبُورُ.. وكيفَ وقـد رُزئتُ والمُصابُ فيكَ عَـسيرُ..
أم كـيف تُنهى عن سَـحّ الدّمُوعِ مَحاجِرٌ بعدَما دَارَ في رَوضِ الشّـبابِ مَـنُونُ, وما لي حِيلة وقد حلّ القـضاءُ, وفُضَّ العـزَاءُ, ولم يَبقى لي على جَلدِ التّـصبُّرِ جُـهدا, بِما نِلتُ من قَبلِ الفَـقدِ بُعدا..
وكم ذُقتُ من أرقِ الجُفونِ بِبَـينِنَا.. واليومَ حـبّذا لو يُرجـى بِعادُ الحيّ والوجدَا..

عُذراً أيّـها الفـقيد.. وأنا أكتبُ لكَ هذهِ الحُروف, أجدُني أمامَ بَرِيقِ عَيـنَيكَ أبكي بِحُرقَةٍ لا يَعلَمُ بها إلّا الواحِدُ الـدّيـان.. أخُـطّها من كبِدٍ مُلتَـاعةٍ وآهـاتٍ وأشجَان..
أعزِز على قَلبي أنّـنا لم نَلتقِي.. يا ثاوياً في جَيبِ الثّـرى المُطبَقِ..
لطـالما كُنتُ آملُ أن أرآك.. واُكحّـلَ عيني من بَهيجِ مُحيّاك.. حتّى خـانت بي الأقـدار لمّا المنُونُ طواك, ولا زلتُ في صَدمةٍ مـمّا دهـاك,
وحينَ أخـبرُوني أنّهُم يَزفُوكَ آخِـر المَطاف.. ويَحمِلوُا نَعشَكَ الطّـاهِرَ على الأكـتاف.. كُنتُ أحمِـلُ قلبي خشـيَةَ أن يَسقُطَ مِنّي وتَغشَاهُ عُـرى الإتلاف..

يَعُــزُّعليَّ أن تَغِيبَ شَمسُكَ في التُّـرَاب وتُفَارِقَ الأحبَاب غَضّـاً نَدِيّـا في شَرخِ الشّـباب بِغير ودَاعٍ مَضيتَ بِدونِ إياب..
ماذا أبقيتَ لي.. كلماتٌ شاحِبة, وحُروفٌ مُبعـثَرة, وجُـملٌ مكسّــَرَة, ودُمُوعٌ مُنتَـثِرة... وَجعٌ قَـاتِم, وألـمٌ جَاثم..

عُذرا أيّـها الفـقِيد..
الحُـزنُ أجبرنِي على قَولِ كُلّ هذا, وإلا فأملي مُشرقٌ مِثلَ وجهك البَاسِم وطلـعتِك النّـيرَة, ورُوحِكَ الطّـاهِرة بِأن يَجـعَلَ اللهُ مَثواكَ النّـعِيمَ المُـقِيم.. ويُسبغ عليكَ فَيضَ رحمَاتِه فهو الكَرِيمُ الرّحـيم
وما ضّـرَك إن عَاجَلتكَ المَنِية, أو مَاتَت أمَانِيكَ الحِسـانِ فتِـيّة, فأنتَ بن الرّبِيع, وزَهرُه البَدِيع, تَضُوعُ عِطرَاً وذِكراً لن يَضِيع..
بِشمَائِلٍ ومَحَامِدٍ وفَضَائِلٍ ومَنَاقِبٍ وعَـزَائِمٍ جَلت عنِ الحَـدّ والعَـدّ والإدرَاكِ والحَصرِ تُـتلَى بِكُلّ لِسان, وعُمر إنطوى بَينَ مَحَـبّةٍ للخَـيرِ والعِـرفان.. ملكتَ بهِ قُلوبَ المُحـبّينَ والأقران..
ولكنّها حَسرَة أن أنعِي لكَ ولا اُوفِيك حتّى إحـتَرتُ كيفَ اُوجّهُ عَزائي فِيك.. لنَفسِي أوّلاً, أم لأبَويكَ.. وأخيك, أم لذَويك ومُحبّـيك, أم لقَرِبيك, أم لصَديقِكَ, أم للحَبيب, أم لدُروسِكَ أم لفُنونِكَ, أم لخَليـلِكَ أم لفِلسطِين..

يا صَديقَ العَهدِ.. قَبلَ الأوآن طَوتكَ يَدُ الرَّدى وعَن الأصلِ النَّضِـيرِ غُصنكَ البَهـيّ إنـثَنى..
عزائي فيكَ عَـزاءَ الأزهارِ..حين تُقطَفُ في شَبابِها.. أتعلمُ وحدها الأزهارُ.. تُغتالُ في ريَعانِها..
عزائي فيكَ عزاءَ من نَبغَ ونَجب, وقَضى من غَايةِ التَّحصِيلِ ما وَجب, واكتَسَبَ منَ الحَياةِ فَضائِلاً سَمَى بِها العُلى قَدراً ومَجداً, وتَخـلّق بِالجمالِ فَـفاقَ الماءَ الزُّلالَ عَذباً وبردا, صَبورٌ أصيلٌ نَجِيبٌ كَريمٌ نَـبيلٌ مَحبٌّ.. جَميلُ السَّجَايا على الايام صلدا

أيّها الفـقيد..عزائي فيكَ عزاءَ مُحِبّ بَعيد, يصِيخُ بِزَفرَةٍ مُتـأوهاً " إن حَالَ بَيـنِي وبَيـنَكَ بَـينٌ فَالعَهدَ بَاقٍ.. وحُسـنُ الوفَاءِ قَدِيمُ,
يا صَديقَ الوُدِّ.. إن فَارقتَ دُنيا الغُرُورِ مُسَلّمَاً خَلفَ الرّتَاجِ مُغَـيّباً والفِـرَاقُ عَظيمُ, لأنت في القَلبِ ثـاوٍ وغُصنُكَ بالفُؤادِ رَطِيبُ..
زَمـاناً اُغـالِط فِيكَ أشجَانِي لَم تَمُت.. لا لم تَمُت أنتَ في صَدري مُقِيم.. وهُناكَ أرتَجِي نَوالَ طُهرٍ حِينَ يَأذن مُنعِمٌ في الجِنَـانِ على الحَوضِ نُـروَى.. ويُشـفى بالوِصَالِ سَقِيمُ.."
.
.
صديقك المخلص
محمّد عبّـاس الموصلي
12- ربيع الآخر- 1437هـ / 22-1-2016م