عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2015, 07:50 PM
المشاركة 8
الفرحان بوعزة
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
بين التفاح والرمان...

أبدأ بالصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وصحبه الأطهار، وأحكي لكم ياسادة
ياكرام حكاية جدنا وجدتنا في أول الزمان ، وما وقع بينهما ذات مساء أمام كهفهما
وهما عاريان إلا من ورقتي توت ،حين قال لها : أنت شمسي ...
وقالت له أنت قمري...
ولكنني أرى يا سادتي الكرام أن ندخل الى الحكاية من باب التفاح ...
لقد كنت ورفيقتي في السوبر ماركت نتبضع ، حين أشارت بأصبعها قائلة : اشتر تفاحا ، ذاك التفاح
الأحمر القاني ...
وتساءلت في نفسي : كيف يا ترى كان لون وشكل تلك التفاحة التي أسالت لعاب أبي ؟
ثم ابتسمت في وجهها وقلت : تعرفين كرهي للتفاح...
نظرت إلي بمكر وقالت :وأعرف ولعك بالرمان وبكل ماهو على شكل وحجم الرمان…
قلت :الرمان فاكهة الحياة...
قالت : وقت الرمان لا يدوم ...
قلت : أبحث عنه في كل مكان ...
لحظتها اصفر كالورس وجهها وطفقت ترتعد ، فوضعت ذراعي على كتفها وقلت لها :لا تفزعي
سأحكي لك قصة جدنا الذي كان يعشق الشمس ولا يستيقظ إلا إذا أشرقت ، وجدتنا
التي تعشق القمر ولا تستفيق إلا إذا ظهر...
وكان جدنا يتمنى أن ترافقه جدتنا ولو ليوم واحد في تلك الطبيعة العذراء ، وتقول له
تحت تلك الظلال الوارفة بين تغريد الطيور وخرير المياه أحبك، وكانت جدتنا
تحلم متى يجلس الى جانبها أمام الكهف ويتأملان معا بهاء القمر ويقول لها أعشقك ...
أشرق وجه حبيبتي وقالت :وهل قالها لها يوما ؟
ابتسمت لها من كل أعماقي وقلت :وهل قالتها له يوما ؟
ضحكنا وسرنا متعانقين الى ركن الفواكه فاشترينا التفاح والرمان واتجهنا
صوب مخرج السوبر ماركت أقول لها أحبك وتقول لي أعشقك ...
نص جميل كتب بذكاء أدبي وفني ، من حيث البناء الحكائي والدلالي واللغوي ،بفنية أدبية اعتمد السارد على تلك الافتتاحية القيمة التي تفتح الشهية للتتبع والاستماع ، فبدأ بالصلاة على النبي وهي افتتاحية لا يمكن إغفالها لما لها من أهمية في التحفيز وشد الانتباه والإثارة ، ومن هنا كان النص ينحو نحو تشخيص مشهد مسرحي في الهواء الطلق ..
اتكأ السارد على الحوار /قلت / قالت / لفتح فجوة كبيرة بذكاء مقرون بدهاء لتعبر الشخوص عن موقفها وفكرها ، مما أعطى للبطل والبطلة أن يعملا على تلوين معاني التفاح والرمان وتلبيسها بتأويلات تتماشى بين القبول والرفض ، بين الفرح والحزن ، بين الرضا والنفور ، بين المدح والذم ،بين الاختلاف والاتفاق ، بين الفهم الصائب والفهم الخاطئ / اشتر تفاحاً ،ذاك التفاح الأحمر القاني / تعرفين كرهي للتفاح /..
والواقع أن الحوار الذي أطر السارد به النص هو حوار جرى في الماضي ،ولكن السارد أحياه في الحاضر بطريقة أدبية جذابة .. فعن طريق نبش الأفكار وتوليدها ،عمد السارد إلى إخضاع البطلين إلى مبارزة فكرية ،بل إلى امتحان واختبار مدى قوة الارتباط وصلابة الاهتمام بالآخر ،فالرفيق كان أقوى في توجيه دفة الحوار متكئاً على ما ترسخ لديه في تجاويف ذاكرته من خلال حكاية الجد والجدة ..فكان فكره موزعاً بين الماضي والحاضر ، كأنه يتحسر على الهوة الفارقة بين زمن العيش في الكهوف وزمان العيش في السوبر ماركت ..
توسل السارد بفاكهتين /التفاح والرمان / فهما يشتركان في الاستدارة والحلاوة ، ويتقاربان في اللون ويختلفان في المذاق واللذة .. وهو اختيار موفق بعدما استطاع أن يمرر عبرهما إحساسه وشعوره من فرح وحزن ، وتأسف وحسرة عن طريق تورية المعنى المتخفي من وراء لعبة رمزية "التفاح والرمان " لعبة فطنت بها الرفيقة فكانت سباقة لكشف نوايا رفيقها ، مما كان يؤدي إلى اختلاف عميق بينهما ..إلا أن البطل عرف كيف يبدد ذلك الاختلاف في القصد واستبداله بالتوافق والانسجام / شراء التفاح والرمان / أحبك / أعشقك /...
نص جدير بالقراءة والمتابعة والدراسة لأنه جمع بين فنية الحوار والسرد وطريقة تقديم الحكاية ..جميل ما كتبت وأبدعت أخي مصطفى .. إبداع في إبداع ..
محبتي وتقديري / الفرحان بوعزة ..