عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2015, 04:20 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أحداث باريز الأخيرة طغت على المشهد الإعلامي الدولي ، الهجوم الذي تعرضت له صحيفة شارلي إبدو الساخرة هز الرأي العام الفرنسي والدولي معا و رجع بالصورة إلى المربع الأول في مسألة الإرهاب ، رجعت إلى الأذهان أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي كانت السبب الرئيس في غزو أفغانستان و العراق سعيا للانتقام للكبرياء الأمريكي ، فرنسا تعيش حدادا و صدح رئيسها بالوحدة الوطنية إسوة بما فعله بوش عند سقوط البرجين ، على نفس الخطى تسير باريز وأغلب العواصم الغربية فحتى ميركل الألمانية ، رددت ما يقال في باريز بأن المستهدف هو حرية التعبير و القيم الأوروبية ، كما قالت الإدارة الأمريكية بأن العالم الحر هو المستهدف من قبل المتطرفين و الإرهابيين في اليوم كما بالأمس .
إذا كان المنطق يفرض على الجميع استنكار الأحداث الدموية و استرخاص حرمة الدماء ، و الوضع يقتضي التضامن بين الدول في أزماتها و حين تعرضها للعدوان ، فالمنطق نفسه يستدعي البحث عن أسباب الداء و أسباب هذه الأحداث الإجرامية و ما يغذي هذه الروح الانتقامية ، فالسياسيون الغربيون كان عليهم طرح الأسئلة الحقيقية بدل الذهاب إلى ردود الأفعال ، فإذا كان المسلمون لا يقبلون بهذه الأعمال الإرهابية بل جل البلاد الإسلامية اكتوت بنيرانها و بعضها لاتزال أنهار الدماء تسري فيها بدون توقف ، فالغربيون بدل السعي لتعميق الأزمات كان عليهم التفكير في السبل الحقيقية لتدبير هذه المرحلة العصيبة من التاريخ ، فانتشار ثقافة الكراهية و العصبية تغذيه سياسات معينة ينتهجها الغرب نفسه ، عندما يحس أبناء الجالية الإسلامية في بلاد الغرب أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، وتنتشر في صفوفهم أعلى نسب الانحراف و البطالة و تقل فيهم نسب التحصيل الدراسي ، فالأمر يستدعي البحث عن أصل عدم الاندماج و الإدماج ، فالاندماج يتطلب تيسير ظروف الإدماج و سياساته . كما يجب على الغرب ذاته أن يراجع سياساته المنحازة ضد المصلحة الوطنية للدول الإسلامية و القضية الفلسطينية على وجه الخصوص ، والدفع بإيجابية لاستعادة التساكن في البلدان العربية والاسلامية التي قام بغزوها كالعراق وليبيا و أفغانستان ، و التدخل بحكمة في إصلاح ذات البين بين الفرقاء السوريين و اليمنيين بدل صب الزيوت على نيران الفتن التي تلتهم جسد الأمة الإسلامية سعيا لإحكام القبضة عليها و إفراغها من مقومات الوجود.
مسيرة باريز التضامنية هب إليها قادة أوروبا والعديد من الدول التي شاركت فرنسا أحزانها ، لكن هذه المسيرة لم تخل من مظاهر غريبة و حتى ساخرة ، فحضور نتانياهو في المسيرة يكفي لنسف شعاراتها الإنسانية المتعلقة بالحرية و العدل والمساواة و الإيخاء ، فالذي يمارس الإبادة على شعب أعزل هو آخر من يمكنه الحديث عن الحضارة والقيم النبيلة ، وآخر من سيقدم الدروس أو يعبر عن المواساة والتأثر ، كما شهدت المسيرة أيضا حدثا داخليا فرنسيا حيث تسلل الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي من الصفوف الخلفية في خرق للبروتوكول إلى الصف الأمامي المخصص لرؤساء الدول و رؤساء الوزراء و الملوك ، في تحد واضح لغريمه رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند و لو لدقائق قصد أخذ صور تذكارية و تسجيل حضوره كرجل دولة ، كما أن أمريكا تعتبر الغائب الحاضر في هذا الحدث فلم يمثلها سوى سفيرها مما جعل الصحف الفرنسية تطرح أكثر من علامة استفهام و استنكار لعدم حضور واحد من إدارة البيت الأبيض كبايدن أو على الأقل جون كيري و كيف لأمريكا أوباما أن تستمر في خذلانها ، فقد سبق لأوباما أن تخلى عن المشروع الفرنسي لغزو سوريا في آخر لحظة ، بل تساءلت الصحف كيف لوزير العدل الأمريكي الذي حضر في مهمة إلى باريز في نفس اليوم أن لا يشارك في المسيرة .

صحيفة شارلي إبدو لم تتورع في ممارسة شذوذها الصحفي عقب هذه الأحدات ، و واصلت أسلوبها الاستفزازي لأكثر من مليار و نصف المليار مسلم تربطهم محبة برسول الله صلى الله عليه و سلم لا تعلوها محبة في الأرض ولا في السماء إلا محبة الله عز وجلّ فبدل مراعاة شعور المسلمين الذين شاركوها أحزانها و ندّدوا بما أصابها سارعت إلى رفض الجميل و نشرت صورها المسيئة لخير خلق الله .

كانت شعبية هولاند في أزمة حقيقية قبل الأحداث لكنها اليوم في ازدياد مطرد حسب استطلاعات الرأي ، كما لوحظ تهاوي شعبية ساركوزي منذ تسلمه لرئاسة حزبه . في رئاسيات أمريكا ، فاز بوش على ألكور بشكل مبهم في سابقة في التاريخ الأمريكي ، فالأصوات المتنازع عليها لم يتم فرزها والتأكد من صحة النتائج الأولية المعلنة ، و مخافة شغور منصب رئيس الجمهورية ، أعلن بوش فائزا ، لكن مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر ارتفعت شعبية بوش و فاز بالولاية الثانية بسهولة ، فهل تتكر نفس العملية في فرنسا ، ويستغل هولاند أحداث باريز لجعل الفرنسيين يتعالون على الأزمة الاقتصادية و يفكرون بدلا منها في مصير فرنسا و يمنحونه ولاية ثانية في ماي 2017 ، الأيام القادمة ربما تحمل الجديد خاصة أننا رأينا هولاند بعد الأحداث و هو على حاملة الطائرات شارل دوغول معلنا إرسالها إلى الشرق الأوسط . في وقت تواصل فيه صحف اليسار ضغطها على الرئيس ساركوزي فآخر ما نشرته هو كلفته خلال عامين و نصف من الحكم ، وكم دفعت الدولة في مكالماته الهاتفية و البنزين والسيارات و التعويضات ، بل تتحدث في الوقت ذاته عن برنامجه اليومي كرئيس لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية ، والأيام التي يقضيها في مكتب الحزب والأيام التي يخصصها لأنشطة استقبال وفود من مختلف البلدان كرئيس سابق لفرنسا .

لذلك من حق المتتبع أن يتساءل ، هل الديمقراطية الغربية بخير أم أصبحت فقط مزاجية الأحوال ، و يخضع الرأي العام فيها للتعليب ؟