الموضوع: صك الخذلان
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
4366
 
خا لد عبد اللطيف
قاص وروائي مغربي

خا لد عبد اللطيف is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
80

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2006

الاقامة

رقم العضوية
2006
09-09-2010, 07:03 PM
المشاركة 1
09-09-2010, 07:03 PM
المشاركة 1
افتراضي صك الخذلان
قصة " صـك الخذلان"


اقترب من الباب،حاول أن يدق،خانته أنامله،أحس أن الأرض تميد تحت قدميه ،حتى قدميه الصلبتين اللتان خاض بهما معارك برية كثيرة،لم تعد قادرة على الثبات.
أصابه دوار وصداع في الرأس،ولم يعد قادرا على الوقوف .كل هذه الأعراض المفاجئة كان بإمكانه تحملها،والصبر على أوجاعها ومكارهها،لكن الشيء الوحيد الذي هد كيانه من الداخل،إخبار الزوجة والابن لما جرى له في هذا اليوم الأكلب.
كاد أن يطرق الباب مرة ثانية،لكن شيئا خفيا جره للخلف،تراجع والعرق يتصبب من جبينه،وأحس بضيق في صدره،دقات قلبه تتعالى،ويداه ترتعشان،شلت جميع أعضائه،حاول أن يصرخ،لكن وخزا كالإبر تسلل إلى حنجرته وأوقف نبرات صوته.
الزوجة والابن بالداخل ينتظران قدوم الزوج،منتظرين البشرى،فقد أعدا المائدة،ووسط الصحن تربعت دجاجة محمرة ثخينة.
عاد أدراجه لايلوي على شيء،لم يعرف أي وجهة يختار،ضاقت به السبل،ودون وعي منه،وجد نفسه دالفا أول مقهى،مسندا ظهره لأول كرسي.
لم يعرف كيف مرت الأمور بهذه السرعة على موقع الوزارة، كان يبحث عن اسمه بين الذين تم انتقاؤهم لكن دون جدوى.كانت اللائحة قاسية وجافة تحمل أجسادا غريبة لم يسمع بها من قبل.تساءل في حيرة كيف لم يختاروه من بين المرشحين،وهو الحاصل على شواهد عليا بميزة:حسن جدا.
كيف تخلوا عنه بسهولة، أليس المجال مجاله؟ والتدريس غايته وأمله.ألم يحصل على شواهد مهنية في مجال التعليم بميزات مشرفة، أمثاله هم المؤهلون لخدمة الدولة ونظامها التعليمي.
اعتبر الأمر مجرد خطأ،حاول النهوض من على كرسيه،ليعيد النظر في موقع الوزارة ولائحتها،لكن من جاء من يخبره من أصدقائه بأنه قد قضي الأمر،وأن باب الأمل قد أغلق والى الأبد.
طفرت دمعة حارة من عينيه،شعر بجفاف في حلقه،أحس أن هذا الكون بدأ يصغر ويصغر حتى تلاشى وتبخر،اصطكت أسنانه،وجحظت عيناه،ماذا يقول لزوجته ولابنه وبأي وجه سيلقاهما.
طيلة حياته لم يكن متخاذلا ولا متهاونا،فبعد حصوله على شهادات عليا من الجامعة،وشهادة من معاهد للصحافة،قرر أن يعمل في أي مهنة،فقد عمل صباغا،ودافعا للعربات المجرورة،ومساعدا للخياط،ومراسلا لجرائد وطنية،وفي آخر المطاق استقر به المطاف أستاذا بالتعليم الثانوي الخصوصي والابتدائي،كانت كل تقارير المفتشين تنوه بكفاياته وقدراته ومهارته وسعة معارفه.
واليوم حين أتيحت له الفرصة لإبراز مهاراته وقدراته،أهملوا كل تجاربه وخبراته،ولم يفسر له أحد كيف تم إسقاطه،والعهدة على الحاسوب الخالي من المشاعر،أثناء الترشيح لمنصب معلم قدم لهم سيرته الذاتية والعلمية الحافلة بالكفاءة .
حار في كل ماجرى ،كل شيء مر كلمح البصر،تلك الشاشة العقيمة التي لم تفرز اسمه.نظر مجددا لعله يبصر حرف" الميم" فرك عينيه أكثر من مرة دون جدوى،تذكر تلك الرزمانة من المراجع والمصادر والمجلات في مجال التربية والبيداغوجيا والتي حفظها عن ظهر قلب،تبخر كل شيء دفعة واحدة.
حتى السن محسوم في الوظيفة،كانت هذه فرصته وأمله،نظر حواليه،كان كل شيء أسودا قاتما.
هبطت أشرعة الظلام دون أن يدري،سمع دقات قلبه تصم أذنيه،تشنجت عضلات وجهه،انتظرته الزوجة والولد،لكنه لم يعد.

خالد عبد اللطيف.