عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2010, 06:00 PM
المشاركة 188
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
النوم.. أسرار ومراحل


د. عبدالرحمن النمر

بينما استطاع الإنسان معرفة وفهم معظم الأسرار المحيطة بعمليات الحياة، مثل التكاثر والسعي وراء الغذاء والدفاع عن النفس، فإنه ما يزال في براثن الحيرة أمام ظاهرة يومية منتظمة هي النوم! بل أكثر من ذلك، فإن ظواهر الحياة وعملياتها المختلفة لا تستغرق من عمر الإنسان ما يستغرقه النوم، إذ ينفق الإنسان ثلث عمره نائمًا! والبحث في أسرار ظاهرة النوم يشغل الإنسان منذ زمن بعيد. وهذه الظاهرة لا تشغل الإنسان البالغ وحده، ولا تشغل العلماء والباحثين والمفكرين وحدهم، ولكنها واردة حتى في أسئلة الصغار حين يستفهمون ببراءة: (لماذا ننام؟!).

حقٌّا لماذا ننام؟! هل النوم ضرورة حياة، أم أنها عادة موروثة من أجداد استناموا إلى هدأة الليل فسكنوا فيه؟! أم أن النوم لازم لتخليص الجسم من: (سموم وشوائب وفضلات) تتجمع فيه نتيجة أنشطة الحياة؟! أم لعله (وظيفة عضوية) من وظائف المخ، الذي يصدر أمرًا إلى الأعضاء بالسكون فتسكن؟!


حول هذه الأسئلة وأشباهها يدور البحث في عدد من المراكز العلمية المهتمة بهذه الظاهرة. وبين الحين والآخر، تصدر عن مركز هنا أو هناك بعض النتائج التي تُعَدّ خطوة على الطريق نحو فهم هذا اللغز الكبير. ولا ندري كم من الوقت سيستغرق البحث قبل أن يفلح الإنسان في إماطة اللثام عن سِرٍّ طال اشتغاله به!


ولكن المؤكد أنه ما دام يحاول، فلربما يصل إلى الغاية يومًا ما.
وإلى أن يصل الإنسان إلى (الحل الكامل)، نستطلع بعض (الإضافات) الجديدة، لعلنا نقترب من فهم هذه الظاهرة.


دورة طبيعية:

الثابت بالملاحظة أن أحياء المعمورة على اختلاف طبقاتها، تهجع وتسكن إذا جَنّ الليل، فالطيور تأوي إلى أوكارها، وصغار الحيوانات تختبئ في جحورها.

وتفعل مثل ذلك (الحيوانات الأرقى) فيأوي كل إلى سكنه.


فإذا أشرقت الأرض بنور ربها، وتوارت ظلمة الليل وراء وضح النهار، انتفضت الأحياء من مساكنها، وانبعثت من رقادها في نشاط لتستأنف الحياة من جديد!

وقد دفعت هذه الملاحظة كثيرًا من العلماء إلى الاعتقاد بأن هناك (دورة طبيعية)، تحكم نشاط الأحياء على هذا الكوكب. وهذه الدورة الطبيعية مرتبطة بدوران الأرض حول نفسها، أي ـ بتعبير آخر ـ بتعاقب الليل والنهار.


ومما يعضد ذلك الاعتقاد، أن التجربة أثبتت أن أنشطة الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان تخضع ـ بدرجة أو بأخرى ـ لتفاوت منتظم في درجة النشاط، يكاد يتفق مع إيقاع (الدورة الطبيعية).

فمثلاً، تكون عملية تجديد خلايا الجسم وبناء الجديد منها في أوج نشاطها في الصباح الباكر، كذلك تكون (الغدة النخامية) في قمة نشاطها في الصباح، ونشاط الغدة النخامية يوجه نشاط الغدد الصماء الأخرى في الجسم.


وعلى نقيض ذلك، يهدأ نشاط العمليات الحيوية المختلفة في الجسم، في الهزيع الأول من الليل، فتقل إفرازات المعدة والأمعاء من الإنزيمات الهاضمة، ويقل نشاط غدد العرق، وبينما تكون درجة حرارة الجسم طبيعية في الصباح، فإنها تأخذ في الارتفاع مع تقدم ساعات النهار، بحيث تصل إلى أعلى قمة لها في الليل.


وتعرف هذه الدورة الطبيعية عند الإنسان باسم (الدورة اليومية) (circadian rhythm). والثابت بالتجربة أن هذه الدورة تنقسم إلى (فترات) نشاط وخمول، تتراوح بين أربع إلى ثمان ساعات، تبعًا لكل جهاز من أجهزة الجسم ومدى النشاط اليومي المطلوب منه.

على أن هذه الدورة اليومية تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص إلى آخر، كما تختلف عند الإنسان الواحد من وقت لآخر في غضون العام الواحد، كذلك يمكن أن تنعكس دورة النشاط عند من يسهرون الليل وينامون النهار، بحيث تصبح قمة النشاط في الليل، وفترة الهمود في النهار.


يضاف إلى ذلك أن طفل الإنسان حديث الولادة يقضي معظم يومه نائمًا، ولا تظهر من وظائف جسمه تلك الدورة اليومية التي تظهر عند الإنسان البالغ، وبعد الشهر الثالث من العمر، يبدأ طفل الإنسان في (اكتساب) نشاط دوري لوظائف الأعضاء.

وهذه الحقائق تجعل من (الدورة الطبيعة) تفسيرًا محتملاً لظاهرة النوم، لكن هذه الدورة الطبيعية وحدها لا يمكن أن تكون مسؤولة بمفردها عن النوم، ولابد من وجود أسباب أو عوامل أخرى تؤدي إلى النوم.