عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2014, 10:08 AM
المشاركة 18
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في البدء كانت الصدمة البذرة

بدايات حكايتي مع الم المصران الغليظ والقولون العصبي ثم ما تطورت اليه الامور بعد سنوات عديدة من خروج بعض الخلايا عن النص ، تعود الي طفولتي او الأصح سنوات شبابي المبكر ، حيث كانت الصدمة المزلزلة التي تحولت شيئا فشيئا الي فكرة انغرست واستوطنت كبذرة في عقلي الباطن اللاواعي والظاهر الواعي واحتلت واستحكمت في كافة حنايا كياني.

تمثلت تلك الصدمة المزلزلة والتي بدات كبذرة في اصابة جار لنا اسمه يوسف الحسين ابو عاطف بمرض في المصران الغليظ والاغلب انه المرض الخبيث مما دفع الاطباء الى اجراء جراحي عملوا من خلاله على اجتثاث الخلايا الخبيثة لديه ، ولكن يبدو انهم كانوا قد تأخروا كثيرا في اجراء اللازم، لانه عاش بعد العملية لفترة زمنية قصيرة، وكان خلال تلك الفترة في حالة يرثى لها، واشد جوانب الالم في حالته القاسية تلك والتي فرضت نفسها هي حاجته الي فتحه جانبية كبديل للفتحة الشرجية وهو اجراء يقوم به الاطباء على ما يبدو في حالة ازالة جزء كبير من المصران الغليظ او في حالة إصابة الجانب الأيسر من المصران الغليظ...وما لبث ان ذوى مثل شجرة اجتثت جذورها ثم مات وكان لموته وقعا مزلزلا ،صادما، على كياني وعقلي الواعي، وربما ايقظ في ذهني اللاواعي الم الموت والخوف منه ذلك الذي اختبرته صغيرا جداً حينما ماتت أمي وانا في سن الثانية فقط ....ويعتقد الناس خطأ بان اختبار الموت في تلك السن المبكرة لا يكون له اثر على الانسان، ولكنني اعرف الان ومن خلال عدة شواهد لا مجال لذكرها هنا، بان اثر صدمة الموت انما يكون اعظم واشد وقعا كلما جاء الموت مبكرا.

لم يكن جارنا يوسف الحسين هذا رجلا عاديا، فقد كان رجلا ضخما، قوي البنيان، وصاحب ابتسامة ساحرة، ضحوك ، ويحب النكتة، وكان واحدا من وجهاء القرية يعتمر الثوب التقليدي ( الدماية ) والكوفية والعقال ، وكان متعدد النشاطات تاجر ومزارع، ويبدو انه كان احد ثوار ثورة الستة وثلاثين فقد كان صاحب شخصية كرزمية ، مهيوب ، وصاحب عنفوان وحكمة وحنكة كنت استشعرها وهو يتحاور مع ثلة من الرجال اقرانه ومن بينهم والدي، الذين اعتادوا الجلوس في الساحة امام دكانه القريبة من الجامع غالبا في انتظار صلاة المغرب تلك الساحة التي كانت بمثابة ملتقى عفوي لعدد من الرجال الذين كنت أظنهم من معدن اخر وكأن الرجولة ماتت بموتهم.

كان يوسف الحسين هذا في نظري رجلا شامخا ، راسخا مثل جبل، وكنت اظنه عصيا على الكسر تماماً فلذلك نزل مرضه، وخاصة حاجته الي فتحة جانبية بدلا للفتحة الشرجية نزل على كالصاعقة، وغرس موته المفاجئ والصادم بذرة خوفي من ذلك المرض الخبيث، وقد نمت تلك البذرة وترعرعت مع الايام واصبح خوفي من مرض المصران الغليظ هاجسا لم يفارقني منذ تلك اللحظة أبدا.

ولطالما عبرت عن خوفي وخشيتي ان أصاب بمثل ذلك المرض اللعين، وان يكون مصيري مثل مصير جارنا يوسف الحسين ، ولطالما صرحت عن مخاوفي تلك و كررت خشيتي ومخاوفي تلك امام اهلي وصحبي وكل من عرفني في مسيرة حياتي ، وكنت اشد ما أخشاه اثناء مسيرة الخوف الطويلة تلك ان يأتي يوم احتاج فيه لفتحة اخراج جانبية، فلم استصغ مثل تلك المصيبة ، الكارثة، أبدا ، ولم اكن قادرا ابدا على تقبلها او حتى احتمال ان ابتلى بها ...

وحينما اصبت فعلا بالمرض الذي استدعى تدخلا جراحيا بعد سنوات عديدة ، وحتى اثناء وجودي في المستشفي انقسم اهلي و الناس حولي الي قسمين ، فمنهم وعلى راسهم اخي محمود، وهو الاقرب الي نفسي ، من ظن بأنني تبصرت إصابتي بالمرض منذ زمن طويل وقد عرفوا ان لي قدرات تبصرية اتصور ان كل يتيم يمتلك مثلها لكن بتفاوت بين يتيم وآخر ، ومنهم من ظن انني جذبت المرض لنفسي حينما سمحت لفكرة الخوف منه ان تستوطن في ذهني لتصبح هاجسا لم يفارقني أبدا ولطالما تلفظت بكلمات سمعوها مني وعبرت فيها امامهم عن خوفي من ان أصاب بذلك المرض اللعين.

وها أنا اليوم في حيرة من امري من هذا الذي جرى لي... فعلى الرغم انني امتلك حقا قدرات تبصرية اختبرتها في مواقف كثيرة وعديدة، وقد اكون قد استشعرت بهذا المرض اللعين مبكرا جداً، لكنني لا استطيع ابدا ان اجزم بذلك وانما ارجح بأنني قمت على جذب المرض لنفسي، وكما يقول المثل الشعبي ( الذي يخاف من الغول يظهر له ) ، فقد اصبحت مع الايام وبعد ان تعرفت الي قدرات العقل الباطن المهولة واللامحدودة ، وما يعرف بقانون الجذب والذي تحدثت عنه الكاتبة الأسترالية لويندا بايرن في كتابها "السر"، اصبحت عل قناعة بان العقل الباطن يقوم وضمن شروط واليات معينة، على ترجمة الأفكار التي تستوطن في الدماغ مصحوبة بالمشاعر الى واقع ملموس. فالعقل الباطن بقوته المهولة مثل جني المصباح المطيع الذي يرقد هناك بصمت ليستمع الي ما نطلبه منه وتكون طلباتنا على شكل افكار تدور في عقلنا الواعي فيعمل العقل الباطن ذلك الجني شديد القوة على تلبيتها دون تفكير او تمحيص، لكن استجابته لما يدور في ذهننا وترجمته الي واقع ملموس انما تكون اكبر كلما استحكمت الفكرة واستوطنت في ذهننا وكانت مصحوبة بالمشاعر ومن ذلك الخوف حتما ...

والان اصبحت على قناعة بان ما أصابني من مرض انما كان ثمرة هواجسي التي انغرست كبذرة خوف في ذهني من ذلك المرض اللعين وكنتيجة لما أصاب ذلك الرجل يوسف الحسين ، و الذي ظننته في بداية شبابي عصيا على الكسر، ليخر في ايام معدودات صريعا بذلك المرض اللعين بعد ان أنهكه ألما وحطمه، كنبته تقطعت جذورها فذوت وتحطمت ثم ماتت ...

مات يوسف الحسين وكان لموته وقع الصاعقة على نفسي، بل اكثر من ذلك بكثير، ولم يكن موته بالنسبة لي حدثا مأساويا فقط بل خلف موته بذرة الخوف من ان أصاب بما أصيب به وان يكون مصيري مثل مصيره المؤلم وهذا على ما يبدو ما حصل في نهاية المطاف ولا اعرف ان كنت سالقى نفس المصير وضمن الحدود الزمنية رغم اختلاف العصر وظروف اكتشاف المرض وسرعة التعامل معه وتطور وسائل العلاج الخ... ؟!

لقد اصبت فعلا بما أصيب به المذكور يوسف الحسين في نهاية المطاف وبعد ما يزيد على خمس واربعين عاما من موته لكن مشاكل وأوجاع المصران الغليظ اللعينة لم تظهر عندي فجأة بعد كل هذه السنوات بل كان لها تاريخ طويل وحكاية الم مبرح احيانا ابتدات تحديدا في السنة الجامعية الثانية وكان لذلك اسباب ربما ساهمت في تحول البذرة الفكرة التي كمنت في نفسي على اثر موته الي وجع والم ومعاناة صاحبني طوال مسيرة حياتي الى ان جاء اليوم الذي اتضح بان الامر لم يعد مجرد الم يمكن احتماله و السيطرة عليه بحبات الموديولون وانما صار لا بد من تدخل جراحي لاجتثاث الخلايا التي ابت ان تنقسم بصورة منتظمة وسوف اقص عليكم بتفصيل قصة الالم الرهيب الذي صاحب الإجراء الجراحي والذي جاء كالطوفان ولكن بعد ان اسرد عليكم قصتي مع القولون العصبي والذي استمر لمدة تشارف او تزيد على الخمسة واربعين عاما ...