الموضوع: لبوة وثور
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
3007
 
عبدالحكيم ياسين
فنان وأديـب ساخر سوري

اوسمتي


عبدالحكيم ياسين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
155

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Sep 2007

الاقامة

رقم العضوية
3999
12-23-2014, 04:38 PM
المشاركة 1
12-23-2014, 04:38 PM
المشاركة 1
افتراضي لبوة وثور
كبرت اللبوة الآن ..وصار لها مخالب وأسنان..
وجسمها الذي برزت فيه عضلات..اعتمد دائماً على صيد الأخوات..
ولطالما شبع من غير تعب..ولم يستمع في ذلك لعتب..
حتّى جاء اليوم الذي وجدت فيه نفسها وحيدة..
وأدركت عواقب طباعها العنيدة..
فوقت التعلّم قد فات..والفرائس لاتنال بالأمنيات..
والمهارة..والجسارة.. ماينقصها اليوم..وعليها
وحدها يقع اللوم..ولكن مانفع الندم والحسرات..
في مواجهة جوع ذي عضّات ..
إلّاأنّ رحمة الله واسعة..تنزل على النفوس الضائعة..
لعلها تتذكّر فضله فتشكره على ماأنعم..
أو تكون عبرة لغيرها فيتعلّم..
وذلك أنّ اللبوة التي تضرب خبط عشواء..
وجدت نفسها في مواجهة ثور عجوز يشتهي الفناء..
فقد نخرت جسده الأسقام..وأصبحت حياته سلسلة آلام..
ولمّا رآها تزمجر وتكشّر ..ابتسم ابتسامة مستبشر..
وأسلم لأنيابها جلده القاسي مغمضاً عينيه..
وأسنانها تحاول النفاذ إليه..ولكنّها عجزت عن اختراقه..
واضطرها التعب لفراقه..
فراحت تدفع جسده الهائل ليسقط فوق الأحطاب..
البارزة فوق الأرض كالحراب..
ولم تستطع..
فهمست تقول للثور وهو يستمع:
لماذا لاتدافع عن نفسك أيّها البائس..كغيرك من الفرائس..
فقال يا مليكة الغابات :
لقد سبق أن نهشتني السباع عشرات المرّات..
وتذوّقت ألم الجراح ..وأعرف الجدّ من المزاح..
وماأراك جادّة في قتلي..وكأنّك ضعيفة مثلي..
ولست بحاجة للدفاع عن نفس أتمنّى لها الهلاك..
ومن يدري فقد تكونين ذلك المنقذ الملاك..
الذي سينهي آلامي..ويحقّق أحلامي..
إلّا إن كنت أنت أيضاً محتاجة للإنقاذ..وباحثة فيّ عن ملاذ..
فإذا كنت تريدين هلاكي كما أريده فمري بما شئت تطاعي..
وأسرعي في إخماد أوجاعي..وانتزاع روحي من بين أضلاعي..
فانشرح صدر اللبوة المتعبة لمّا قاله الثور..
وزال قلقها على الفور..
وقالت: أنا متعبة من جولة صيد في (الحرش)..
صرعت خلالها أربعة من حمر الوحش..
وتركتها لملك البقعة السابعة..وحرمت نفسي الجائعة..
ولو لم تثبّط بيأسك من نفسك عزيمتي..لكنت أريتك قوّة شكيمتي..
وعلى كلّ حال..وما دمت لاتعتزم القتال..فاسقط من فضلك
فوق هذه الجذوع بعنف..ريثما استعيد قواي وأتخلّص من الضعف..
وظنّها الثور صادقة فأهوى بجسده الثقيل ..
على خشبة بارزة كإزميل..
فانكسرت وانغرزت كنصل قاتل ..في جسد اللبوة الغافل..
فزمجرت وكزّت على أسنانها..وهوت فوقه ببنيانها..
متظاهرة بالسلامة ..وقائلة في ملامة:
أيّها الجثّة العفنة..لقد زكمت أنفي برائحتك النتنة..
قال:آسف أشدّ الأسف على عجزي..ومستعدّ للتعويض المجزي..
قالت:أحسّ بالظمأ والحرّ ياجاحد..وأحتاج لعقة من دمك البارد..
ولاأعرف حقّاً إن كان فيك دمّ..وأخشى أن تكون قد تجرّعت السمّ..
فضرب الثور رأسه بالجذع المقطوع..ولعق جراعه التي تفجّرت كينبوع..
ليبرهن لها عن نقاء دمه المهدور..فراحت تلعقه في حبور..
وقد أملت في أن ينزف فيموت..فتحصل بذلك على ماتنتظر من القوت..
وفجأة ظهر ضبع جائع.. وضحك بفجور..وكأنّه كشف المستور..
فقالت تواسي نفسها:
أظنّها ضحكته المعتادة..التي لاتعرف الزيادة..وماأظنّه يقصد الاستهزاء..
من ملكة تتناول طعام الغداء..
فقال الثور بعتب:لاأظنّه يملك للهزء أيّ سبب..فهاأنت يامولاتي تجثمين
فوق صدري..ودمي من عروقي بين شدقيك يجري..
وعلى كلّ حال :يأكلني سبع ..ولايأكلني ضبع..
فتظاهري يامليكتي المرهقة من الصيد طوال النهار..
بسحبي من رقبتي صوب الديار..وسأعينك على ذلك مااستطعت أن أعين..
لعلّ ذلك يخيف الضبع اللعين..فينصرف قبل أن يستبدّ بك الغضب..
وماكنت تتركينه يقترب لولا التعب..وشرعت اللبوة تتظاهر بسحب الثور..
وهو يجرّ نفسه ويخور أشدّ الخور..إنجازاً لمسرحيّةّ الفريسة والصيّاد..
التي لم تكن بحاجة لإعداد..فعناصر النجاح متوفّرة ..
وفرص التحرّي لدى الضبع متعذّرة..ولكنّ اللبوة الخرقاء تعثّرت
وصدمت عينها بقرن الثور الحادّة كخنجر..فانتفضت متألّمةوراحت تزأر..
واستغرب الضبع غضبتها الهائلة..وظنّه مقدّمة لوثبة قاتلة..
وأذهلته مقدرتها على الجرّ..فقرّر البعد عن الشرّ ..
والتغنّي بالسلامة..بينما بقيت اللبوة القمّامة..
تحتال على الثور ليعينها على نفسه..
وبقي هو في مزيد من يأسه..
يساند للفوز بالممات..
من لم يتعلّم فنّون الحياة.
--------------------------------
مع تحيّات:عبدالحكيم ياسين