الموضوع: خطاب شكر
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2014, 07:17 PM
المشاركة 8
عبدالحكيم ياسين
فنان وأديـب ساخر سوري

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
================================================== =============
اقتباس:
تفحّص المهندس الشاب خطابه الذي يريد أن يرفقه مع الملف الخاص بالمشروع،
والذي أخذ منه يوماً كاملاً لصياغته ومراجعته من ناحية الإملاء والترقيم والنحو، فهو يعلم أنّ مجتمعه متيّم بالشكل لا بالمضمون.
لذا كان حريصاً أن لايترك فرصة للمراوغة والهروب إلى مواضيع أخرى وهو يعلم كم من آمال وأحلام اختفت بين ركام الصخور
والأحجار التي رمتها الأيادي الخفيّة لاغتيالها يدفعها لذلك الحسد ورفيقه الفساد.
وقام بتقديمه إلى اللجنة ورغم إعجاب جميع رؤساء الأقسام ومباركتهم ومدحهم لما احتوى الملف من أفكار إيجابية
تحمل الحلول للكثير من المشكلات إلا أنّ هنالك أصواتاً مزعجة تزوره أثناء ابتسامته ،
تقول إنّ الصحراء بخيله وكثبانها دائمة الحركة لا تؤمن بالحلول طويلة الأجل بل تفضّل الحلول القصيرة .
وبينما هو على هذا الحال طرق الساعي الباب لتتوقّف الأفكار وإذا به يحمل ملف مشروعه
وقد ارفق بخطاب من اللجنة وفتحه بسرعة فإذا به خطاب غلّف بالعبارات الإنشائيّه والتي لطالما مقتها تضمّنت شكراً و اعتذاراً .
كان يتخيّل أنّ مشروعه سيلاقي استحساناً وصدى كبير ولكنّ هذا لم يحدث وما زاد الطين بلّة أنّ الرد جاء سريعاً دون دراسة أو تحليل،
لذا قدّم خطاب استقالته لعلّ هذا التصرّف يكون سببا لإعادة النظر ويعيد إليه الأمل ،
وأسرع إلى مكتب المدير التنفيذي وطلب الإذن لمقابلته ، وجلس منتظراً متململاً وبمجرّد إعطائه الإذن للدخول عليه
انتصب واقفاً واتجه مسرعا نحو الباب ودفعه دون طرقه ودخل ، وبخطى سريعة
لم تسمح لذلك البساط السميك أن يتمتّع بمداعبته وهزّه وسلب شيء من ثقته وإذا به أمام الماصة الكبيرة المصنوعة من أفخر الخشب
والمطلية بأجود الورنيش وقد اختفى خلفها رجل قارب عمره السبعين ملأت ثيابه الشحوم
لتختفي الرقبة ويظهر الوجه فجأة كلوحة ترى فيها بوضوح آثار المساحيق والأقلام جالساً على كرسي بدا كعرش وقد ظهرت الشمس
كالمتطفّل من خلفه تنظر من خلال النافذة الكبيرة و تكاد من وهجها أن تحطّم زجاجها لتعطي المدير إجلالاً وعظمة وتجعل الزائر يخفض بصره أمامه.
نظر إليه المدير من خلف نظّارته التي استقرت فوق أنفه الكبير وأشار إليه بالجلوس وهو يتفحّص بنظره المعاملات الواردة ويعلّم عليها
بقلمه الضخم والذي بدا كتحفه ثمينة لها بريق وبمجرّد أن انتهى ارتفعت تلك العينان الغائرتان فوق نظّارته السميكة ونظر إلى المهندس الشاب و قال نعم...
وعندما حاول ذلك المهندس التكلّم معه انحرف إلى الهاتف ورفع السمّاعة ومدّ يده فأسرع المهندس الشاب بإعطائه الخطاب الذي كان يحمله
نظر المدير إلى الخطاب واعتدل في جلسته وابتسم ابتسامة خفيفة وسرح بذهنه قليلاً ثمّ تناول قلمه وشرح عليه بكلمتين لا مانع ورمى بالخطاب تجاهه
وبدأ يتكلّم في الهاتف كان المهندس متعجّلاً لردّة فعل المدير فهو من الموظّفين المتميّزين ولكنّ عبارة لا مانع تقول: العمل لن يتوقّف
إنّ هذه العبارة أعظم من صفعة على صفحة خدّه ، رفع رأسه وإذا بتلك الشمس قد صوّبت سهامها إلى عينيه ليلتف سريعاً محاولاً تجنّبها
وفي محاولته الخروج بدأ ذلك البساط يهزّه هزّاً مع كلّ خطوة يخطوها وبدأ يحسّ بدوار أفقده التركيز
وأحسّ بضياع فهو لم يعد يعلم أين الباب الذي دخل منه وحاول أن يتماسك ويركز،
وقد تنفّس الصعداء عندما رأى الباب واتجه إليه وهو يجرّ قدميه محاولاً الوصول إليه
وكأنّه في حلم مخيف لقد تمكّن ذلك البساط من فرض سطوته عليه وإذلاله وقتل آخر أنفاس ثقته التي لطالما تغنّى بها
وأنّها تملك سبعة أرواح لذا خرج بوجه آخر من تلك الغرفة غير الذي دخل به ليسلك أقرب الممرّات المؤدّيه إلى بوّابة الخروج
وما إن وضع قدميه على الدرجات التي هبطت به الى مواقف السيارات ،
أحسّ بالأمان ورجعة روحه إليه وذهب ذلك الدوار الذي رافقه عدم الاتزان واتجه إلى سيارته وغادر مبنى الشركة دون رجعة.
================================================== ==
أخي الفاضل :أبي ساعدة
لا أعلم هل الشركة التي يعمل بها هذا المهندس خاصّة أم حكوميّة؟
وعلى كلّ حال.. فالمقترحات الجيّدة يفترض أن تحظى بالاهتمام
إلا أنّ الموظّف الذي يتقدّم باقتراحات مهمّة فيها يضع نفسه أمام خيارين:
إمّا أن يثاب ماديّاً ومعنويّاً (عند وجود إدارة نزيهة)..
او أن يعرّض نفسه لمزيد من الأعباء مع سرقة لتعبه عندما
تكون الإدارة متغطرسة وفاجرة وتستعبد من يعمل لديها وللأسف هذا الواقع موجود ..
لك كلّ التقدير ..والتمنيّات بالتوفيق ..