عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2014, 10:55 PM
المشاركة 18
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المواقف الصعبة تفتح القلوب لبعضها ، تحاول سامية أن تتفاعل بإيجابية مع ما يقوله حامد ، لكن أخته متورطة بشكل أو بآخر في مصاعب الشركة و لو كان الأمر كما يقول حامد لما تم الزج بها في السجن ، لكن في الوقت ذاته تعرف أن أخاها بريء جدا من التهم المنسوبة إليه ، فربما تكون صالحة أيضا مجرد مخبولة كما ناصر جرتها دورة الحزام .
لكن الذي يوجع سامية أكثر هو هذا الحب الذي ينمو في عش السماء الرحب ، فكلما تنهد حامد أحست أنفاسه عطرا يفوح في فؤادها ، أيكون طعم الحب في الأعالي ساميا تلطفه السحب و تلمع صفحته فيغدو طريا فواحا كوردة بللتها قطرات الندى ، تحس نفسها على صهوة فرس مستوية السرج ، بل لكأنها على هودج ناقة تسير بخطوات وئيدة ، جاءتها لسعة توجس في فسحتها الذهنية عندما تفطنت أنها لم تتحدث عن نفسها لحامد ، أيمكن أن يغفر لها هذا الكتمان يوم يكتشف أنها غريمة أخته و أنه ربما إن تأكدت من تورطها في مشاكل الشركة ستجد نفسها مجبرة على أداء ثمن باهض ، ولن يشفع لها حب حامد و لا نبرته الشجية .
نظر نحوها حامد و تأمل هدوءها ، رأى فيها إنسانة تحسن الإصغاء والإنصات و يلتهب في نفسه شعور غريب كلما أشعت ابتسامتها و مسحت على وجهه بنظرة عابرة ، يحس عينيها منبع دفء طال قلبه البارد ، يخاف كل الخوف أن تعتبره مخبولا لو قال لها بصريح العبارة أنه يحبها ، مؤكد أنها ستستغرب من سذاجته ، وستتساءل إن كان المرء فعلا سيحب شخصا لم يعرفه بعد ، إنها متكتمة جدا على ما يبدو ، لكنها رغم ذلك فعيونها تحكي قصة أخرى غير التي تحاول أن تظهر .

في السجن وجدت صالحة نفسها فريسة للأرق ، وصورته تصاحبها ، يقدم اعتذاره ألاف المرات ، تتألم لأنها لم تستطع غير البكاء بصحبته ، لم تعتذر له عن نواياها في الاتنتقام منه و من شركته لولا تدخلات القدر ، لتصفو روحها و تستعيد عافيتها ، تألمت وهي تتذكر التهم الموجهة إليها ، فمنها ضلوع في القتل ، وإضرار بالشركة ، كانت تنفي التهم و توضح أنها مجرد طموحة تريد حفر اسمها على صخرة السوق ، و أنها مارست التجارة بأخلاقياتها و بمهنية عالية ، وأنها لم تمارس تلفيقا ولا تزويرا ، و حتى عند طردها من الشركة انسحبت بهدوء ودون زوبعة . تخاف أن لا تستطيع توكيد براءتها و أن تبقى فريسة السجن أبد الآبدين . أما ناصر فأحس لكأنه في النعيم ، اليوم تحرر من ثقل أنقض ظهره ، فأخيرا اعترف لها بخطئه ، و قلبه تصافى من وخزات الضمير ، يتذكر أسئلة الاستجواب ، وعن ليلته أين أمضاها و عن علاقته بصالحة ، و علاقة صالحة بالشركة ، وعن معرفته بوكيل الأعمال ، يتعجب من ورود اسم صالحة في محضر التحقيقات ، أتكون تشتغل في البرصة ؟ أسئلة لم يجد لها أجوبة مقنعة ، لم يهتم لمصيره في السجن ، فهو يكاد يرى السجن أرحم من العالم الخارجي .

حان وقت الفراق و حامد لم يعرف عنها ما يكفي تجر حقيبتها متوجهة نحو سيارة جاءت لاستقبالها ، " سعيدة بصحبتك " هذا هو قولها الأخير نادى عليها قبل الدخول إلى العربة ، نظرت نحوه فأعاد النداء التقيا من جديد وهو يقول :" هل سأراك في الجوار ؟" ردت واثقة : "نعم سنلتقي قريبا ." رد بشغف :" أين ومتى؟؟؟ دوني رقم هاتفي ! " ابتسمت في وجهه و قالت : " ليس بعد ، و لم العجلة .." وتوجهت إلى سيارتها .

وصل حامد إلى بيته والظلام اكتسح المدينة ، أمه عقدت رأسها بمنديل ، و الدموع تبلل خديها ، وشعرها الأشيب مشتت على كتفيها ، هاله هذا المنظر المرعب تعانقه وهي تقول :" إنها هناك مع المجرمين ، هل تناولت عشاءها؟ و هل تسرب النوم إلى جفونها؟ من يدري ؟ حاولت زيارتها فلم يقبلوا ، واكتفوا بأخذ ما أحضرت لها من ملابس و أغذية " كان علي التأكد مما كانت تقوم به ، إنها تخفي عني أمورا كثيرة ، اتصلت بالمحامي كما وصيتني و توجه نحو مركز الشرطة و بدأ يعد ملف القضية . " يواسي أمه المنهارة ، ويعدها ببذل قصارى جهده .
بائع الكزبرة مع زوجته يحلان ضيوفا عند ابنه و انضمت إليهم بنته و زوجها وأبناؤهم ، يقهقهون و يمرحون على العشاء ، كان يومه ربيعيا ، ظهرت صورة ناصر على التلفاز و بعدها صورة صالحة ، فقام من مقامه مسكتا الجميع ، كان خبرا عن الشركة و السجن ، تألم لمصاب العشيقين ، و تألم أكثر لفقدان قلبه صلته بناموس الطبيعة ، أحس أن إحساسه خذله هذه المرة ، تألمت روحه كثيرا ، كما زاده ألما إفساد فرحة أبنائه به و بأمهم .

دخلت سامية بيتها واطمأنت على أمها فوجدت الطبيب يكشف على والدها الذي دبت الحركة في أعضائه دون أن يسترجع وعيه ، فكم مرة قام من مقامه ، و هو يردد ، سآتي يابني لانقاذك ، لن أتركك حزينا هكذا ، لا تخف أختك قوية ، ستخفف عنك آلامك ، اعتمد عليها ، أنت ولد صالح يا بني ، قلب أمك بجانبك ." الطبيب يشرح لهما أنه هذيان ما بعد الإغماء ، و أنه بحال جيدة ، سيتعيد عافيته قريبا ، لكن حذار من إخباره بمشاكل العائلة إلا بعد حين و بطريقة مرنة .

خرجت لتوها عند المحامي الذي شرح لها بدقة مجرى التحقيقات من البداية ، سألته عن تورط أخيها فقال لها إنه بريء كما تعلمين و سألته عن البنت المسماة صالحة ، فقال أن هناك شبهة لا تزال تحوم حول دخولها في المضاربات ، و لكونها آخر من رأى القتيل في منتصف الليل ، بينما لطفي تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه متورط في التلاعبات التي ألحقت الأضرار بالشركة ، فقد تم ضبط كميات هائلة من الخضر المهربة من المزارع في احدى مخازنه صبيحة اليوم و معها تم توقيف الكثير من المتعاونين معه و من المحتمل أن تدينه شهاداتهم ، و ربما يكون هو من قتل وكيل صالحة نظرا لكونه ألحق به خسائر فادحة في مضاربات الأمس . نظرت سامية إلى يدها التي تلفها ضمادة خفيفة كأنها شاركت في مباراة ملاكمة ، شرحت للمحامي القصة عندما سألها عن مصابها . فقال ضاحكا : "هذه حجة تدينك لو كنت هنا في البلد ."

دقت العاشرة صباحا ، أمام المحكة بائع الكزبرة يمشي و يجيء ، ظهرت أم صالحة فجأة و معها شاب ظريف ، توجه نحوها قائلا : " لطف الله من أقداره سيدتي . أقسم أنها بريئة مما نسب إليها ، إنها روح طيبة تلك الفتاة . " سجل المحامي اسمه للإدلاء بشهادته و شرح له في السيارة جميع خطواتها للحفاظ على حبها . كانا في خارج المحكمة بينما دخل المحامي لتسجيل حضوره عند قاضي التحقيق ، إنها سامية تتقدم أباها وأمها و المحامي يسير بجانبهم ، طلب منهم الانتظار خارج المحكمة حتى يأذن لهم بالدخول عند مجيء المتهمين ، رآها حامد قادمة فارتعشت فرائصه ، تقدمت نحوه و سلمت عليه وعلى أمه ثم بائع الكزبرة ، شم أحمد رائحة الحب تنبعث منهما فقال في نفسه :" شكرا أيتها الحاسة السادسة ، أنا بخير و في المكان المناسب ." وصل السيد نبيل الذي قام من مرضه كأنه لم يشك يوما من شيء ، كان في الصباح الباكر في الشركة مع ابنته و هاتف معارفه من كبار المسؤولين و أكدوا له مساندتهم له في مصابه . تقدم بخطواته الواثقة نحو بائع الكزبرة فقال له :" أنت أحمد ؟ يسرني لقاؤك بعد ثلاثين سنة " عانقه بائع الكزبرة وهو يتذكر يوم سرق محفظة والده و زج به في السجن ، كان نبيل يومها يزوره في السجن و يحضر له الطعام و الألبسة حتى انقضت مدته ، عامله بلطف رغم أنه أساء إلى والده ، نبيل يمد يده إلى نبيلة التي خفضت عينيها اللتين غمرهما الدمع قائلا :" السيدة نبيلة ، خفف الله من أقداره " مد يده نحو حامد وهو يقول : " أنت حامد بلا شك ، ابنتي حكت لي عن لقائك بها في الطائرة ." تقدمت أم ناصر تسلم على الجميع دون أن تعرف واحدا منهم .
وصلت سيارات شرطة تحمل المتهمين ليمثلوا امام قاضي التحقيق ، في غرفة الانتظار ، تعلقت صالحة بناصر وهي تعانقه :" سامحني كنت اريد بك شرا ، لكنني كلما اقتربت من إيذائك تذكرت أنك حبيبي ." واسأل بائع الكزبرة . مهما قيل عني فإني بريئة يا ناصر كما أنت بريء ."

النهاية .