عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2014, 12:13 AM
المشاركة 16
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عند العاشرة ليلا استقبلها وكيلها في مطعم فاخر ، تناولا عشاء في مرح وسرور وشربا نخب النجاح ، كان يتحدث عن مغامراته في البرصة ، وكل الرجال الذين صنعهم بذكائه و بعض الذين هوى بآمالهم نحو الحضيض ، كان يصفها بالشجاعة ، بالمرأة الحديدية ، بالنبيهة ، تميل نفسها إلى تصديقه ، لكأنها تجهل نفسها ، يعزف على أوتار خاصة ، فتستعد النفس لتصديقه ، كان كل شيء يسير بشكل طبيعي جدا ، إنه لقاء شريكين تجمعهما التجارة ، لكنه مصر على إفساد احتفالها ، عندما فاجأها :"أين يريدين أن نكمل ليلتنا ، في شقتي أم شقتك ؟" عندها تغير مزاجها كلية ، ماذا يظن هذا الخنزير ، أيحسبني مجرد دمية أو بائعة هوى ، من يظن نفسه ؟ ردت عليه بعنف :" ما هذه الجرأة الخبيثة ؟ " ضحك ضحكة خفيفة و هو يقول :" صدقت دعابتي بسهولة ، يا ابنة العم أنا متزوج ، فقط أمازحك ، لكن لا بأس يمكن أن نذهب إلى المرقص و هناك نحتفل بإنجازنا و بشراكتنا المربحة ." ردت عليه حازمة :" سنلتقي غدا في البرصة فيومي طويل و أحس بالعياء ." قامت من مكانها و ضعت محفظتها على كتفها و لم تصغ لما تردده شفاهه من أعذار .
الليل كله تتقلب في الفراش ، رغم أنها تخوض حربا فهذا لا يعني أنها مستعدة للتخلي عن صالحة كلية ، فحربها مجرد تكتيك لاثبات الذات ، لا تريد نفسها محاربة أبد الدهر ، لا تريد لنفسها أن تتسسكع على ضفاف الشهوات الزائفة ، لا تريد لنفسها شراء المتعة ، تريد متعة حقيقية بلا وخزات ضمير . نعم ضميرها لايزال حيا ، لم تخنقه بعد . توعدت وكيلها بشر عقاب .
بائع الكزبرة يستيقظ من فراشه عند العاشرة صباحا ، نظر نحو الساعة الحائطية القديمة ، عقاربها استوت على العاشرة :" تذكر أنه كان مريضا ، تذكر نقوده ، وتذكر زوجته فانتفض يبحث عنها في أرجاء المنزل ، المفتاح في قفل المنزل يدور ، زوجته تدخل حاملة ما لذ وطاب من الفواكه والخضر واللحم ، كما اشترت جلابيب مختلفة الألوان ، و نعالا صفراء وبيضاء لزوجها ، عانقته عناقا حارا ، سألها :" أين كنت ياخديجة ؟ " ردت بتلقائية :" في البنك حبيبي ، حان الوقت لنتمتع بما جمعناه ، لا كزبرة بعد اليوم ، لا لشظف العيش . سنزور الكعبة كل عام و سنعتني بأحفادنا ." كاد يسقط مغشيا عليه عندما سمع البنك . فسألها : " وهل بطاقتك البنكية صالحة ؟" فردت باستغراب :" ما بك يا حبيبي ، وهل مرضك سيبخر مدخراتنا ، مدير البنك شكرني على ثقتنا بمصرفه و البشارة تعلو وجهه . "
وقفت أمام مبنى البرصة الزجاجي ، تنتظر رفع الستارة ، فور دخولها وقعت ورقة عزل وكليل أعمالها ، وتجميد أسهمها من تداولات اليوم ، و في الوقت ذاته نقلت غلتها إلى حساب بائع الكزبرة و ردت إلى مقاولتها الصغيرة ما ابتز منها ، تنتظر دخول وكيلها كل حين ، لكنه لم يظهر بعد ، ذهبت إلى المقهى ونفسها منقبضة ، رغم خبثه فقد أكسبها جولة مهمة ، تملك رصيدا جيدا من الأسهم ، لم تخسر بائع الكزبرة ، وبإمكانها استرجاع علاقتها مع ناصر مادامت لم تقدم بعد على عمل عدواني تجاهه ، تنتظر وتنتظر و لا أثر له ، قامت إلى سيارتها هناك وجدت رجلين ، تقدما نحوها مباشرة ، " أنت صالحة ؟" ردت عليهما بالإيجاب وضعا دملجين في معصميها و قاداها إلى سيارتهما .
ناصر لم يلتحق بعمله باكرا ، كانت الشمس بارزة عندما قام من كهفه بمحاداة الشاطئ ، لم ينتبه لبذلته التي فقدت نصاعتها و انسيابيتها ، وضع جثته المتهالكة وراء المقود و انطلق نحو مكتبه وهو يفكر أن يلغي طرح أسهم الشركة .
عندما رست سيارته وهم بالنزول كان هناك رجل وامرأة يقودانه إلى سيارة الشرطة .
لطفي تناول فطوره و تهيأ ليوم من العمل الجاد ، و هو على يقين من الإستيلاء على نصيب مهم من الشركة ، نظر إلى ساعته فوجدها تقترب من العاشرة صباحا ، إنه وقت العمل ، خرج من بيته متجها نحوسيارته عندما طوقه رجال الشرطة .

كانت تشرح أطروحتها ، وتقدم عرضها لما داعب هزاز هاتفها جيبها ، بين الفينة والفينة يزداد الاهتزاز حتى شوش على تركيزها فطلبت لحظة استراحة ، ردت على مكالمة من محامي الشركة يخبرها أن أخاها محتجز بتهمة تصفية واحد من كبار الوكلاء في البرصة . هاتفت أمها فوجدتها تنوح باكية ، فطمأنتها أنها في طريقها إلى البيت .
بائع الكزبرة بعد أن تناول غداءه مع زوجته خرجا في فسحة ، يعوضان ما فاتهما ، مر على المصرف مطمئنا على ودائعه ، وأكملا طريقهما في جولة عبر مرافق المدينة في ملابسهما الجديدة ، و في جو مرح مليء بالود والرحمة والأمل .

في غرفة اسمنتية قاحلة كان لطفي ينتظر مقيد اليدين مع ثلة من المجرمين الذين يرمقونه بنظرات غريبة ، ينتظر دوره لتقديم إفادته في ملف لا يعرف مضمونه بعد ، هل الأمر يتعلق بصفقاته الماضية أم بكيده المتلاحق في الشركة ، أم في قضية تصفية وكيل البرصة ، يرتب ذهنه للترافع . في تلك اللحظة دخل ناصر إلى غرفة الانتظار فوجد غريمه هناك ، تعجب من هذه الصدفة العجيبة فظن أن التحقيق وصل إلى أعلى الهرم ، ما إن التقط أنفاسه حتى دخلت صالحة مكبلة اليدين ، رأته فهوت بأعينها إلى الأرض عندها خطا خطواته نحوها قائلا : " أعتذر منك يا صالحة ، كان تصرفا غريبا جدا مني ، لكنني مجرد مبتدئ ، الآن انتهى كل شيء ، سأفقد منصبي وربما يكون مصيري السجن ." ولما أمسكت عن الإجابة ، و لاحظ أن عيناها تهيأتا للدموع سألها :" ما ذا تفعلين هنا ؟" هناك هطلت دموعها مدرارا ، كسر هذا الموقف مناداة الحارس على لطفي للاستجواب .
حامد يتأهب للعودة فأمه طريحة الفراش منذ صعقها خبر إلقاء القبض على ابنتها و تحويلها إلى السجن المركزي في انتظار مثولها أمام المحكة في الغد ، لم يترك له الخبر فرصة تسوية أعماله ، بل جمع حقيبته باحثا عن أول طائرة تعود به إلى الوطن ، وجد أخيرا تذكرة ، و انطلق إلى المطار ، عند نزوله من الميترو سقطت منه محفظته ، لكن سامية كانت وراءه أخذت المحفظة و نادت عليه :" سيدي ...سيدي .. هذه محفظتك .." رجع خطوتين فرأى بدرا منيرا يقدم له أوراقه ، شكرها متمتما فبدأ بينهما الحديث ، لم تخبره شيئا عن نفسها رغم إعجابها به و بتفانيه في إنقاذ أخته ، حكى لها مشوارهما منذ الصغر ، كان يتحدث عن صالحة لكأنها أفضل ما أنجبت الأرض ، حكى لها تغيرها منذ تم طردها من الشركة ، رغم ذلك لم تستسلم فقد واصلت كدها وأنشأت مقاولة بسيطة ، لكن حكاية البرصة هذه لا علم له بها ، لابد أن يستعين بمحام قوي لانتشال أخته من هذه التهمة الكاذبة ، يعيد ويكرر أنها روح طيبة لا يمكن أن تقتل ذبابة . سامية تفكر في جليسها ، هل هو التاريخ يعيد نفسه ، لا تريده أن يصمت ، تستلذ بنبرته الحزينة ، تريد سماع هذا الموال الذي يطرب قلبها ، تحاول جره إلى مواضيع أخرى كي تتعرف أكثر عليه لكنه مأخوذ بما أصاب أخته و مصر على إثبات براءتها .