عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
2880
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
05-27-2014, 06:02 PM
المشاركة 1
05-27-2014, 06:02 PM
المشاركة 1
افتراضي يا ولدي قد مات شهيداً... ( قصة قصيرة)*
يا ولدي قد مات شهيداً..

قصة قصيرة
بقلم - ( محمد فتحي المقداد )*

الدارُ خاويةٌ على عروشها في عيون العائلة المَكْلُومة، جفّت ينابيع السعادة في حياتهم، أسراب الحزن تُخيِّم كآبةً على ربوعهم، مرارةٌ ترسّختْ في حلوقهم، دموع الأم لا تنقطع على مدار الساعة، الأب متماسك فلا ينحني، ولا تظهر ملامح الجزع عليه مخافة أن يتسلل الدّاءُ للأسرة، نَفَقٌ مُظلِمٌ كَمَتاهةٍ جليدية قُطبيّة. رنينّ جرس الهاتف، لا يهدأ، أقضّ مضجع أبو حمزة، تَمْلَمَلَ .. تَقَلَّبَ .. غالبه النُّعاس .. الوقت متأخر.. عقارب الساعة تُشير للثانية صباحاً. صوتٌ أجَشٌّ يأتيه بارداً عبر الأسلاك، في ذلك الصباح الربيعي، فيرفع درجة حرارة أبو حمزة، ضاقت أنفاسه، صخرةٌ أطْبَقَتْ على صدره، كَتَمَتْ أنفاسه، هواجس تنهبُ روحه، رفع السَمّاعة :
" ألو .. مَنْ ؟ ."
- "هنا مكتب المحافظ "
- أهلا وسهلاً، تفضّل.
- "عليكم الحضور في العاشرة صباحاً لمديرية الصحة، لاستلام جثة ابنكم حمزة ".
- رجاء أّعِدْ، لم أسمعك جيّداً.
- جواب مُكرَّرٌ يأتيه كالمرّة الأولى.
تراختْ يدهُ عن سمّاعة الهاتف لتقع على الأرض، صّدمة هائلة غير مُتَوَقّعة أبداً، صورة حمزة لم تفارقه لحظة واحدة، كل لحظة كان ينتظر إخلاء سبيل طفله ذي الأحد عشر ربيعاً.
***
هبّتْ الأم من فراشها مذعورة، لمّا تأخرتْ عودته للفراشْ، لم يُسْعِفها لسانها بالسؤال عن المكالمة، نظرتْ للسمّاعة تتدلى على الأرض، زوجها يفترش الأرض، كأن الفالج قد أتى عليه، فَحَطَّمّ قدرته الحركيّة، أمْطَرَتْهُ بوابِلَ أسئلتها، ولا من مجيبْ..
انخرطتْ بنوبة بكاءٍ هِستيرية غير معهودة، لسانها يتلجلج بكلام مُغَمْغَمْ :" يا ولدي قد مات شهيداً " . صحا أبو حمزة من سَكْرَتِهِ على وقع صدمة كلماتها، نائحِةٌ على ابنها الذي لم يقترف ذنْباً، و راح يسترجع شريط الذكرى الدامية، عندما حمل حمزة ربطة خبز لأهل مدينة درعا المُحاصَرين، اعتقل حَيَّاً مع الكثيرين يوم 29\4\2011م، في مساكن صيدا، هذا اليوم المشهود غير المسبوق.
***
في مكتب مدير الصحة، قُدِّمتْ له ورقة، عليه أن يُوقِّعَها : " يتعهد فيها بأن لا يقيم عزاء عاماً، و لا يحق له أي مُلاحقة قضائية لأية جهة تمثل الحكومة مستقبلاً، وأن العصابات الإرهابية هي التي قامت بٍقَتْل ابنه ", تهتزّ يده .. يرتجف القلم، أصابه شيءٌ من التردد، احتجّ : " هذا كذب وهُرَاء ".
- صوتٌ أجشٌ، بلهجةٍ آمِرَهْ :" كلامٌ سخيف ..!! .. وَقّعْ بالتي أحْسَنْ، جثةً ابنك تنتظركَ هناك في الثلاّجة، وإلاّ .. و إلاّ ".
***
شاع الخبر في القرية وجوارها، أثار صدمة، غير متوقعة همجية اعتقال الأطفال، وموتهم في المعتقلات، أجواء مشحونة بالغضب، الوجوهُ كاشحةٌ عابسةٌ، كأن ملَكَ الموت نظر إليها، ذهولٌ عجيبٌ، عويلُ النَّساء يأتي كَمَيَاسِم تَكْوي قلوب الرجال والشباب، يقرع أسماعهم بعنفٍ مثيرٍ لرغبتهم في الإصرار على المضي في الطريق، فإما النصر أو الشهادة.
***
يُفتَح التابوت المشموعُ، الكاميرا نَقَلَتْ آثار التعذيب الوحشي البادية على الجسد، والتمثيل به ( قطع العضو الذكري)، كما أنَّ بعض الأجزاء أصابها التفتت و التفسّخ، جراء الإهمال للجثة بعد الوفاة، عيون الرجال تدمع .. عيون الشباب تدمع.. صيحةُ التَّكبير أطلقها أحدهم، اهتزّت لها القلوب، هتاف الأفواه المبحوحة، بقوة وعنف غاضب :" الله أكبر.. الله أكبر " ، فتزلزلتْ جَنَباتُ الكون.
***
أًعيدتْ أجزاء الكَفَن لتغطية الجثة، وتركوا الوجه المشرق، أمُّ حمزة ارتمتْ على جسد ابنها .. تقبيل عميق .. دموعها بَلّلَتْ وجهه، بضع دقائق وهي على هذه الحال..
***
اكتمل تصوير المشهد وتشييعه لمثواه الأخير، بعد ساعة فقط، وكالات الأنباء العالمية بثّتْ مقطع الفيديو، المنشور على اليوتيوب، ( حمزة الخطيب.. أيقونة الثورة السورية).






تمّت
ربّةُ عمُّونْ \ الكرك