عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2014, 09:22 PM
المشاركة 47
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يعتبر الجنون رمزا لذهاب الرشد واستشراء الفوضوية في التصرف وغياب المسؤولية و هو حالة مرضية تنتج عن أزمات نفسية و ضغوط ناتجة بالأساس عن عدم القدرة على التحمل و عن فساد الخيارات التي تنتهجها الذات الإنسانية ، كما يمثل شكلا من أشكال الضياع و التشرد ، وهو تحرير للنفس من كافة قيود العقل ، و الزج بها في عالم اللامسؤولية ، كما يعتبر منتهى التركيز على الذات و الانغلاق والسير وفق أهوائها في غياب القدرة الاستشرافية التي تربط الحاضر بالمستقبل وفق حتمية السببية ، فالجنون هو اختلال التوازن بين الممكن واللاممكن ، و هو عدم القدرة على قراءة الواقع من أبعاد مختلفة و الموازنة بين الاحتمالات التي تكفل المحافظة على الذات والرقي بها من التي قد تنسفها و و تهوي بآمالها .
الجنون أيضا هو الإفراط في جلد الذات والإيمان بعجزها المطلق مما يجعلها تثور و تهرب من كل تلك الاحباطات إلى عالم تحتمي بفوضويته و لا مسؤوليته ، وهو أيضا نوع من البحث عن الاستمرارية في ظل انسداد الآفاق .
تناولت روان عبد الكريم أزمة الهوية من خلال الجنون ، الذي فرض نفسه في رواياتها الثلاثة ، فإن كانت البرغماتية تتيح نوعا من النفاق الاجتماعي و النفس تقبل ببعض الفصام الطفيف للاندماج في تعايش هوياتي مع الغير حفاظا على الذات و سيرورتها ، و كذا التفضل بهامش من القبول للآخر ، ففي أعمال روان غاب هذا التوافق الاجتماعي نتيجة عدم الاحساس بالأمن و الإحساس بالضياع و من ثم السباحة في عوالم مجنونة .
فشخصيات روان تمارس العدوان على نفسها وعلى الآخر دون الإحساس بالذنب و هو تجسيد للجنون بكافة أنواعه ، و هو بكل تأكيد تعبير صارخ عن أزمة هوية ، وهي صورة غير منطقية و مألوفة عن الإنسان بل هو تقمص هوية متوحشة لا تفرز في الآخير غير أنماط أخرى مشوهة من النفسيات الإنسانية .

يتبع