عرض مشاركة واحدة
قديم 01-19-2014, 10:05 AM
المشاركة 477
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
العناصر التي صنعت الروعة في رواية -21- موبي-ديك، للمؤلف هيرمان ميلفيل

- في خضم الانتاج الروائي العالمي، ثمة روايات اتخذت من الصراع بين الانسان وقوى متعددة اخرى، ثيمة رئيسة فيها.. مع اختلاف نوع الصراع وكيفية معالجته.. الا ان موبي ديك رواية هيرمان ميلفل المكتوبة عام 1851، كان الصراع فيها مأساويا ومعروف النتائج، الا ان مبدأ الخسارات لم يكن مطروحا في ممارسة وفكر أخاب بطل الرواية البحار العنيد..

- في القراءة الاولى للرواية (ترجمة الدكتور احمد خالد توفيق)، ثمة مقاربات جدلية لم تحسم في نظرتنا للصراع داخل المتن الروائي وهي قراءة لم تأت وفقا لما أراده ميلفل في متنه الضخم ..

- وفي القراءة اللاحقة، كانت موبي ديك رواية أخرى تماما وخاصة بترجمة الدكتور احسان عباس او لنقل ربما أصابنا هوس القراءة المخترقة لمغاليق السرد.. اخرى لانها كشفت بعمق، المأساة الكامنة خلف سرد الراوي.. مأساة الانسان المتكلف الراغب بهزيمة قوى الطبيعة المتمثلة بالحوت الأبيض (موبي ديك)..

- هذه المقاسة خاطها ميلفل بعناية ودراية وعارف بشؤون البحار واهوالها مما أهلته معرفيته الخوض في غمار تجربة الكتابة الشائكة للرواية البحرية الصعبة فبان انعكاس ذلك على أحداث الرواية بوضوح، او كما يقول كارل يونغ أن الخبرات التي يمر بها الشخص لا تنسى ولا تختفي تمامًا إنما تصبح جزء من لا شعوره الشخصي وتلك الخبرات أما أن تكون قد كبتت لا إراديًا أو قمعت إراديًا باعتبارها ذكرى مؤلمة للأنا أو أنها من الضعف بحيث لم تترك إنطباع شعوري في النفس..

- وفي مقاربة اخرى يمكن اعتبارها قصة بحرية موسوعية لم تترك شيئا، اسما او مصطلحا بحريا لم تأت به..

- وتكلف ميلفل عناء بحثه عن الأسماء والاستعارات والصفات ذات العلاقة بحكم إيغاله بتفاصيل مضنية جمعها ليكتب عمله الضخم الذي لم يلق النجاح الذي حلم به .
- وقد خلقت الرواية قارئا خاصا لها، فهي بحجمها الكبير وتفاصيلها المملة أحيانا والبعيدة عن قصة الرواية، لا يمكن ان تكون سهلة ابدا.. فالقارئ حسب ناتالي ساروت " يجب عليه أن يتعرف في ما يقرأ على عالم ليس عالمه، ولكن يرغب في أن يكون عالمه".
- إنها رواية فلسفية ومأساوية في آن معا فرغم بطولة اخاب ينتهي نهاية درامية يفقد اصحابه والقوارب الأخرى المرافقة وينتهي المصير المؤلم الى هاوية التمني بالتحدي.. ولكن أي تحد؟ تحدي الطبيعة رغم كل عنفوانها وجمالها، التي اصبحت هي قاتلة للكابتن وأصحابه وهذا ما يتعارض مع مبدأ الجمالية والاسترخاء وسلمية المعنى لها..

- في الرواية لا أجوبة قاطعة لتساؤلات آخاب غير الموت.. هو الحقيقة الوحيدة التي تدور حولها محاور الرواية، فكل صرخات القبطان المتحدية والأنخاب التي تدور على السفينة ابتهاجا بلحظة ملاقاة موبي ديك، وأوامره التي لا تنتهي لرجاله ونصائحه، تذهب سدى مع ضربات الحوت المدوية للسفينة وقواربها المتقلبة وسط الموج والذي لم يستطع احد من التشبث باي خشبة منها للنجاة.

- ويذكرنا هذا المصير المكتوب بطريقة السرد هذه بقول سارتر بأن الكتابة هي نوع من الشهادة الموجزة على موت الإنسان..

- يحاول ميلفل الاقتراب من التاريخ ويستفيد من اسم آهاب وهو اسم ملك أخذه من العهد القديم وكذلك إسماعيل الراوي والناجي الوحيد هو ابن هاجر زوجة النبي إبراهيم.. في حين نجد ان سفينة الانقاذ التي تعثر على اسماعيل اسمها راحيل احدى نساء يعقوب وهذه الدلالة بمعنى أزلية الصراع وأبديته وانه لا ينتهي.. لقد جر أخاب على نفسه مزيدا من العذاب والآلام وهو يحاول تحدي الحوت الضخم..

- هنا يكون الإنسان وحيدا تجاه الطبيعة الغالبة، القوية والمفترسة.. هذا قدر اخاب.. حتى اننا نعتقد ان ملفل اراد الانتصار لقوى الطبيعة الخارقة تلك على الانسان الضعيف المستوحد في لجج الامواج الهادرة واي انسان هو، ذلك الذي يصارع بساق واحدة!! و الحوت مثال واضح لهذه المقاربة..

- في عام 1919 كتب الناقد الامريكي كارل فان دورين دراسة عن الرواية مشيرا الى انها احدى اهم روايات البحر الرومانسية في جميع ادب العالم.. ولفتت الدراسة نظر الكاتب البريطاني د. هـ. لورنس الذي امتعته وبهره اسلوبها و كانت مقالته عنها قد أعادت اكتشاف موبي ديك واعتبرت من وقتها انجازا عظيما في الرواية الكلاسيكية ومعجما فريدا للحيتان وادوات الصيد وصارت مصدرا مهما من مصادر البحث عن اساليب كتابة رواية البحر واساس متين استند عليه الكثير من الروائيين كما يقول الروائي جاد الحاج كانت رواية «موبي ديك» نقطة تحوّل أساسية في مجرى الأسلوب والتعبير نسبة الى الرواية الأميركية والعالمية على السواء،

بل أصبحت معلماً أو مرجعاً تقارن به مئات الروايات الحديثة حتى يومنا. ولعلّ «ثلاثية البحر» لوليم غولدينغ و «الشيخ والبحر» لأرنست همنغواي و «البحر، البحر» لدوريس ليسينغ من أبرز الانعكاسات، على رغم تنوعها، للأثر العميق الذي تركته «موبي ديك» في الكتابة الروائية، ناهيك عن عدد لا يستهان به من الأعمال الشعرية والسينمائية والموسيقية.