عرض مشاركة واحدة
قديم 01-16-2014, 12:02 AM
المشاركة 39
أحمد الورّاق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ أحمد الوراق

لكي لا يضيع الشمال في النقاش

سالتني عن العقيدة و سأوضح العقيدة الإسلامية موثقة بعد هذا التفسير الخاص ، فالعقيدة هي معلم حياة الفرد ، فهي تلك التوابث التي يرجع و يستند عليها كحقائق تابثة ، وعليها يبني كل سلوكياته . فالعقيدة ليست هنا مجرد افتراض لكي نبحث البرهنة عليه ، إنها معطى تابث لا يقبل التأويل . فكل العلوم لها توابث من خلالها تبني علاقات و قوانين . فلو تصورنا أن شخصا انحرفت عقيدته عن الإيمان بالله و اتخذ قيمة من القيم معلما لحياته ، وعليها يبني كل تصواته كمثال " العدالة الاجتماعية ، الحب ... " و أضحت تلك القيمة مصدر إلهام لفلسفة في الحياة فمتى فشل في الوصول إلى تلك القيمة و تطبيقها في المجتمع ، رجع على أعقابه وانسلخ عن ذلك المعتقد ، إما بالنقد الذاتي و التحول إلى النسبية ، أو بالبحث عن بديل آخر ، فيكون تائها بين القيم أيها تصلح لتبني فلسفة قابلة للتطبيق ، و يقبل عليها الناس بسهولة و يسر .
التركيز على العقيدة دون بقية الدين نوع من العلمانية ، فالدين كله عقيدة وحتى الفقه عقيدة ، والدين يجب أن يؤخذ كله، أليس في العقيدة أن تعتقد أنه لا يجوز الذبح لغير الله، كذلك في الفقه تعتقد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، وكذلك الأخلاق عقيدة عندما تعتقد بوجوب الصبر على أذية الجيران وأن الله سيكافئك عليه، فالدين كله أخلاق والدين كله عقيدة، لكنها عقيدة أخلاقية، وهذا معنى كلمة دين ، أي: أدين لله بكذا، والاعتراف بالدين هو اعتراف أخلاقي.

وكل الديانات والمذاهب تهتم بالعقيدة أكثر من الجوانب الأخرى مع الأسف؛ لأن العقيدة هي التي تعطي لكل حزب تميزه عن الديانات والمذاهب الأخرى وتجعل منهم كتلة سياسية واجتماعية تصارع غيرها على الدنيا، حتى العلمانية والليبرالية عقيدة، فالعقيدة بهذا المفهوم هي الأيديولوجية. فاختصار المسلمين في عقيدتهم يحولهم إلى أيديولوجية، مثل اختصار العالم الغربي بتنوعه في عدة نقاط فكرية يحوله إلى أيديولوجية غربية تؤمن بالديموقراطية والحرية وإبعاد الدين عن الحياة وتفسير كل شيء بطريقة مادية... الخ من معتقداتهم. والشيوعيون كذلك لا يجمعهم شيء إلا العقيدة.

لا يوجد مجتمعات أو مذاهب مع الأسف تبرز تميزها بالفضيلة والأخلاق وتبني معتقداتها على أساسها، فالكل يتميز ويفتخر بعقائده وأيديولوجياته لا بأفعاله وأخلاقياته إلا الإسلام الصحيح {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} ولم يقل: تتميزون بعقائد معينة، بل إن عقائدهم هي عملهم القائم على الأمر بالمعروف ورفض المنكر، أنت تبني تفضيلك للعقيدة على بقية الدين على أساس من منطق الأمور، وهو أن الفكرة أساس العمل فإذا صلحت الفكرة صلح العمل، ثم جئت فيما بعد وقطعت بين الفكرة والعمل وأبقيت الفكرة، وصار العمل في الآخر والفكرة في أعلى القائمة، مع أنه منطقياً لا قيمة للفكرة بلا عمل.

ثم ما فائدة هذه التقسيمات في الدين ووضع بعضه أعلى القائمة ووضع الآخر أسفل القائمة؟؟!
وهكذا تكون العقيدة (أو الأيديولوجية) مثل القبيلة التي تفرح بمن ينضم إليها وتعطيه اسمها مع أنها تعرف من أي القبائل هو ولكن من باب التكثير.

القرآن يحث على العمل الصالح وليس فقط الأفكار الصالحة، إذن كل المذاهب تهتم بالأفكار بالدرجة الأولى والعمل بالدرجة الثانية، وليس نحن فقط من يهتم بالعقيدة، انظر إلى المسيحية مثلاً، فأهم شيء عندها هي العقيدة واعتقاد أن يسوع هو مخلصك الوحيد، وبالتالي افعل ما تشاء! مع ترغيب بالسلوك الحسن من باب حبذا.

وكذلك اليهودية فالمهم عندهم أن تعتقد بالشعب المختار وبأرض الميعاد وتفرق بين أبناء الله وبين "الجوييم" وتخلص لشعب الله ولا تغش ولا تعمل الربا معهم بينما يحرم عليك أن تخلص لغير شعب الله حتى لو تدله على الطريق الصحيح فأنت آثم! هكذا عقيدة التلمود، ومع ذلك تجد الحاخام والعلماني جنباً إلى جنب لأنهم تجمعهم العقيدة وحدها، وهكذا حتى المذاهب داخل الإسلام تهتم بالعقيدة، وتفسق وتبدع من ينتسب للمذهب الآخر حتى لو كانوا سواء في العمل وكلهم يصلي وكلهم يحج وكلهم يتصدق.

إذن العقائد هي العلامة الفارقة في المذاهب والديانات، وهي أهم نقطة يركزون عليها، وهي قلب المذهب، بينما الله قرن الاعتقاد بالعمل، قال تعالى {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يقل آمنوا فقط ولم يقل عملوا الصالحات فقط. إذن كلاهما بدرجة واحدة: العقيدة والعمل ، بينما أنت تركز على أن العقيدة هي أساس كل شيء وفوق كل شيء، وتجعل العمل درجة ثانية والأخلاق درجة ثالثة..

لا يجوز تعضية الدين والقرآن وتقطعيه إلى أوصال بعضها رأس وبعضها ذنب، فالدين يؤخذ كله أو يترك كله، على الأقل من باب النية، وإلا فكل إنسان ضعيف ومعرض للخطر.

وعادة كل أصحاب مذهب يأخذون النقاط الفارقة مع المذاهب الأخرى ويركزون عليها ويسمونها عقيدة، مع أن الدين كله عقيدة.. وهذا ينتج التفرق والتناحر، المفروض أن يكون التركيز مع المشترك مع الآخرين قبل المختلف، كما قال تعالى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}.

وقد ذم القرآن الذين يقولون ما لا يفعلون والذين يقولون آمنا بأفواههم ما لم تؤمن به قلوبهم، لا تستطيع أن تميز المنافق لا من خلال العقيدة ولا من خلال الشريعة لكن تستطيع تمييزه من خلال الأخلاق، مما يعني أن لب الدين هو الأخلاق والعمل الصالح، هناك من يعصي الله ويكذب ويظلم ...الخ ولا تجد أي مستمسك على عقيدته! لو كانت العقيدة كافية لوحدها لصلح هذا الإنسان، صلاح عقيدته أصبح لا فائدة له أبداً في سلوكه، ووجود مثل هذه الحالات سببها التركيز على العقيدة وبعض العبادات، ولو كان التركيز على كل الإسلام لما ظهرت مثل هذه الحالات، وأي منافق يفرح في التركيز على العقيدة وبعبادات محددة لأن الأمر سهلٌ عليه.

ونحن نرى التفرق داخل الإسلام من خلال المذاهب، والمفترض أنه على قدر ما يأتي شخص من الدين تكون درجة قربه منك أكثر من غيره، لأنك توالي في الله وتعادي فيه، هذا المنطق ، أما أن تكون كل أعماله لا قيمة لها حتى لو كانت صالحة ولله؛ لأني أخلتلف معه في فهمي لآية أو حديث.. فبهذا الأسلوب يحل الشر في الأمة بدلاً من الخير، والله يقول {أشداء على الكفار رحماء بينهم} بينما هكذا تكون الشدة على المسلمين وليس على الكفار. فالواجب أن يعطى حق المختلف من الإسلام، فهذا حقه، ما دام أن الإسلام عبارة عن نقاط فالكل يرصد له نقاطه، الله فضل النصارى على اليهود والمشركين مع أن عندهم عقائد خاطئة وأي خطأ! يقولون أن الله ثالث ثلاثة! فما بالنا بالمسلمين المختلفين معنا بالفهم للدين الذين يقولون لنا ربنا الله ورسولنا محمد؟!

المشكلة إذا كانت العقيدة هي الدين وحدها، حينها يكون كل عمل لا قيمة له مهما كان يحبه الله ويحث عليه في كتابه وتحث عليه سنة نبيه، مع أن كل عمل فيه عقيدة.

إذن ما المقصود بالعقيدة؟ هي نقاط محددة ولا عبرة ببقية النقاط، وهذا ليس إنصافاً بالحسبة ما دام الدين كله عبارة عن عقائد تتبعها أفعال، وبهذه الحسبة يصبح الملحد في أقصى نقطة عن المسلم، لأن الهندوسي والمجوسي على الأقل يؤمنون بإله للكون فتحسب لهم نقطة تقارب، وأهل الكتاب يؤمنون بالأنبياء إلا محمد ، إذن هم أكثر قرباً من الهندوس..وهكذا، الأخلاق وعدم الاستكبار عند المسيحي أفضل من اليهودي ، فهذه تحسب نقطة. فما بالك إذن بمذاهب داخل الإسلام وتؤمن بأن محمداً رسول الله فهكذا تكون أكثر قرباً، لكننا نرى مع الأسف أنه يحدث العكس، فمنذ عصر التمذهب والحروب أكثر بين المسلمين وضحاياها ممن يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، أكثر من كونها مع أعداء المسلمين ، وهذا سببه خطأ في المفاهيم والمعتقدات وإلا لما ظهرت هذه النتيجة، قال تعالى {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً} ، إنها حروب العقيدة التي بلي بها المسلمون وأذهبت ريحهم. وها نحن نرى الحروب بين الطوائف الإسلامية بينما المحتل الصهيوني يتفرج ويعد الضحايا من المسلمين.

الله تعالى يقول: {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض} وهذا ما حدث، والتمذهب هو تشيع، وهذه عقوبة التفرق والبعد عن حبل الله وكتابه، وقد حلت في هذه الأمة. وهكذا لم تكن أمة واحدة بل أمم متناحرة مع أن ربهم واحد ونبيهم واحد.


هنا قوة العقيدة الإسلامية ، فهي المعلم الوحيد الذي يمكن البناء عليه دون أن يتملكك الملل ، لأنك تؤمن و تعتقد أن الفاعل هو الله و ليس أنت ، وأن كل ما تراه ماهو إلا توفيق من الله ، فحتى عندما تسعى إلى تحقيق فريضة الاستخلاف في الأرض و تفشل ، فعقيدتك تهيئك أن اجتهادك لم يذهب سدى ، و أن الله لا يضيع أجر العاملين .

عقيدتنا أخي الكريم هي العبودية لله ، ولا أعتقد أن العبودية تحتاج إلى شرح كبير ما دام القرآن نزل في زمن فيه عبيد . فعندما يعتقد البعض اليوم أن العبودية لا أخلاقية فنحن لا نزال نفتخر بأننا عباد لله الواحد الأحد، و أن عبوديتنا مصدر و قوة حريتنا و سيادتنا ، فمن أقر بعبوديته لله ، تحرر من كل أنواع العبودية للطاغوت .
أخي الكريم ، قلت سابقا أن الأخلاق مفهوم فلسفي تتنازعها التعاريف و تظل الأخلاق في تطور ، فالقوانين هي أخلاق تتحولت إلى قواعد قانونية ، والأخلاق من سمتها التطور و تخضع للنسبية ، بينما العقيدة الإسلامية تابثة لا تتغير أبدا ، و حتى التشريع الإسلامي قليلة قطعياته ، و منطقة العفو واسعة فسيحة تركت للاجتهاد ، ليميز كل جيل أخلاقياته و يحولها إلى قواعد قانونية لا تصطدم مع مع ماهو قطعي و لا تصطدم مع ما نهى عنه الشرع ، أما المباح فمن الممكن تعطيله مرحليا متى وجدت أسباب لذلك . أما العقيدة أستاذي الكريم فلا يمكن أبدا مساومتها ، فالإيمان بالله ليس فيه منطقة عفو فهو تابث ، إما إيمان بالله أو كفربه .
القطعيات في التشريع هي إبراز و ترسيخ العبودية لله ، وهي امتحان على القدرة على جعل الفرد ينجح في امتحان العبودية و الإيمان .
جميل ما تفضلتم به حول أساليب الدعوة و إظهار أخلاقية الدين الإسلامي انطلاقا من إبراز محاسن الأخلاق الإسلامية و إعمال العقل ،

كيف تقول عن شيء أنه جميل وأنت ترفضه؟! أنت ترفض أن تكون العقيدة أخلاقية ، وبنفس الوقت يعجبك في الدعوة أن تبين محاسن العقيدة الإسلامية وأخلاقياتها، وما المحاسن إلا أخلاق! نريد أن نفهم لا نريد أن ننتقي ونتناقض، فلا فهم مع التناقض، وبالتالي لا بصيرة، والله أمرنا بالبصيرة في ديننا.

وكلامك أن الأخلاق نسبية وتتطور.. فهذا نفس كلام الماديين والملحدين حول هذا الموضوع، وهكذا عقيدتهم، وبإمكانك الرجوع إلى الويكيبيديا لترى تنظيرهم في هذا الموضوع، وفلسفة جيمس ونظرية التطور تدور حول هذا الموضوع بالذات وهو نسبية الأخلاق وتطورها.

وبموجب كلامك يكون ثناء الله على نبيه بالخُلًق العظيم قليل القيمة؛ لأنه استعمل شيئاً نسبياً وهو الخُلُق! وبالتالي أيضاً فأخلاق الأمم والأنبياء السابقين متخلفة ولم تتطور! ونحن لأننا جئنا بعدهم نكون أفضل أخلاقاً حتى من الرسل والأنبياء! هل هذا صحيح بناءً على نظرية تطور الأخلاق؟! فنظرتك للأخلاق أنها تتطور مع الزمن ، يعني تطور للأفضل. أليس هذا من تبعات هذا الاعتقاد؟!

العقيدة هي كل ما تعتقده ولا تقفز إلى الإيمان بالله فقط، فنحن المسلمون متفقون على الإيمان بالله جميعاً وأن كل شيء بأمره.
لا أظن أن العقيدة السليمة تلتقي مع الكافرين وتشابههم في أي وجهة نظر، بل العقيدة السليمة جاءت لتدحض كل أفكارهم وتقدم البديل السليم.


سعيا إلى إظهار قوة الدين الإسلامي ، لعل المخاطب يجنح إلى تحقيق العبودية لله ، وليس فقط سعيا لجعله إنسانا متخلقا بالفضائل . فالصدقات تعطى للمؤلفة قلوبهم و ذلك ترغيبا لهم و جعل عقولهم تتفتح على حقيقة أن الإسلام لا يبتغي الحياة الدنيا وحدها بل أن الأبقى والأجدر بالتعب أكثر هو الآخرة . ولعل شخصا مؤمنا بأخلاقيات العصر كان اعتبر ذلك نوعا من الاستقطاب بطرق لا أخلاقية، لكن هنا الأمر أجل إنه سعي لتأليف القلوب و جعلها تؤمن بخالقها و تحقيق العبودية لله و هي وحدها المعلم الصريح الذي تستوي حياة الأفراد والأمة به لأنه متى تحقق التصديق واليقين والإيمان بالله ، تجلى ذلك في الإمتثال لكل أنواع العبادات و الأخلاق الإسلامية .

كأنك تلمح أن الأخلاق مطاطة وأن فيها وجهة نظر، حتى الزكاة للمؤلفة قلوبهم فيها وجهة نظر أخرى معتبرة تخالف وجهة نظر الإسلام وتشكك فيها (أقصد وجهة النظر الأخرى).

وجهة النظر هذه لا قيمة لها عندي لأنها غير واقعية ولا منطقية، إن دفع الزكاة لغير المسلمين الذين علاقتهم طيبة مع المسلمين ولم يعتدوا عليهم هو دليل على إنسانية الإسلام وأنه رحمة لهم وليس فقط للمسلمين، وهذا من الأمر بالمعروف والكرم الأخلاقي، بدليل أن دفع الزكاة ليس على شرط أن يسلموا ويغيروا عقيدتهم، لكنه على شرط الأخلاق، فلا يقال إذا لم يسلموا لن ندفع لهم الزكاة، فإذا كان كذلك كان رشوة! لكنها غير مشروطة، إذن هي عطاء مقابل أخلاق وسلام وتعاون على الخير تنقطع بانقطاعه، فهم قدموا لنا مواقف طيبة كان بالإمكان أن نقدم مثلها، ولكن نقدم لفقرائهم مـا يسد حاجتهم أو لساداتهم ليساعدوهم، وهذا دليل على عالمية الإسلام. لاحظ أن زكاة المسلمين تدفع لمخالفين في العقيدة التي تقول أنها الأهم من كل شيء، لكنهم غير مخالفين في الأخلاق، بينما المنافق الذي يصرح بعقيدته بأعلى صوته هو في الدرك الأسفل من النار! وكلاهما بأمر الله وكتابه.

أقتبس من ردك هذا النص .
أنت تحب الرسول، لماذا؟ أليس لأنه صادق ولأنه تحمل في سبيل الله ولأنه حرص على الأمة وضحى بنفسه لأجلها...الخ، أليست هذه كلمات أخلاقية؟

أحب الرسول صلى الله عليه و سلم عقيدة يا أخي قبل ما تفضلتم به و هنا نختلف ، فأنا أومن به ، لأنه رسول . وحبي له لايقارن مع كل أنواع الحب فهو يفوقها حتما إلا حب الله ، فهو أكبر لأنه أصل العقيدة . وهذا لا يعني أنني لا أحب أخلاقه الكريمة . و إلا لكان كل الزعماء الذين ضحوا في سبيل أقوامهم واتصفوا بالصفات النبيلة يستحقون حبا بقدر محبتنا للرسول صلى الله عليه وسلم .

ولعلك تتذكر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الموضوع .
طيب.. على أي أساس اخترت هذه العقيدة؟؟ أليس لفضائلها؟ أو بالوراثة وشهادة الآخرين حولها؟!
أنا أتكلم عن إيمانك أنت وليس عن إيمان الآخرين. فعندما شهدت أن هذا هو رسول الله كان على أي أساس؟ هل هو بالعقل فقط؟ هل يأتي إيمان بالعقل فقط ولا دور للإحساس ولا للفطرة؟ طبعاً لا يكون، لأن العقل مربوط بالحواس. والأديان كثيرة فلماذا اخترت الإسلام بالذات؟ هل أنت اخترته أم هو اختارك؟

و هل أهداف الرسول مثل أهداف الزعماء؟! وهل ترى أن الرسول زعيم سياسي؟ هذا ما ينظر إليه الماديون والشيوعيون, بينما الله سماه عبد الله ورسوله ولم يقل ملك المسلمين ولا زعيم العرب والقرشيين, ولم يدعه بولي أمر حتى.

ومن كان ذا أخلاق من الزعماء فلماذا ترفضه؟ فكل فاضل يستحق الاحترام على فضيلته والنقد على رذيلته من كل دين وملة, مثلما أثنى الله سبحانه على فئات من النصارى وأثنى رسول الله على حاتم الطائي.

فكرتك هذه تفصلنا عن العالم وعن بقية المسلمين وتفصل خيط التفاهم معهم، وتفصلنا عن فطرتنا التي تقوم من خلال الأخلاق والفضائل, وتجعلنا ننظر لغير مذهبنا ولغير ديننا نظرة واحدة، لأنهم يختلفون معنا في العقيدة, بينما غاندي يختلف عن نتنياهو, والأميرة ديانا نختلف عن مارغريت تاتشر, بمنظار العقيدة فقط كلهم سواء ولا قيمة لأي تفاضل حتى في من وقف معنا أو من لم يقف معنا, إذن يجب أن يكون لكل مجال منظار, فللعقيدة منظار وللخير والأخلاق منظار، حتى لا يختل العدل, والنتائج تُجمَع, وعلى أساسها يكون الولاء والبراء, حتى نكون عادلين غير متطرفين في نظرتنا وأحكامنا.

الاكتفاء بميزان العقيدة فقط في تقييم الناس يفتقر للعدل، ومن عقيدتنا العدل لأن الله تعالى قال: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} مع من نحب ومن لا نحب, مع من يماثلنا في أفكارنا ومع من يختلف لا بد من العدل, والعدل يعني الميزان، وكل شيء في كفة الميزان يُحسَب. مثل تلك النظرة تسبب ازدواجية في الشخص ولا أقول انفصاماً في الشخصية, حيث تجبرك على كره أحد لا تحس بكرهه وعلى محبة أحد طبعك ينفر منه لبشاعة أخلاقه, لمجرد أنه يشترك معك في الأفكار العامة, التي تُحصَر كلمة العقيدة عليها, مع أن العقيدة تشمل السلوك أيضاً.

لا أريد التقليل من شأن العقيدة بل على العكس أريد توسيعها لتشمل كل الدين بما فيه التعامل والسلوك, أليس من العقيدة أن تطيع الله؟ الله أمر بحسن الخلق, إذن حسن الخلق عقيدة!

إذا قلت لغير المسلمين أو المختلفين أن لنا عقيدة فقط أما الأخلاق فهي متطورة ومتغيرة ولا شأن لنا بها, هكذا نكون مؤدلجين وسيقولون لنا: لكم أفكاركم التي تعودتم عليها من أهلكم ولنا أفكارنا التي تعودنا عليها من أهلنا!! إذن مالذي سيرجح؟ وما الذي يحبه الجميع إلا ما يُجمع الجميع عليه أنه الخير والفضيلة والمعروف والأخلاق, وأنا أقصد بالأخلاق: حب الخير, دون التقيد بمظهر معين, وهذا لا يتطور ولا يتغير.

وأنت تجعل الرسول فوق أن تحبه لأخلاقه، كيف فهمت هذا المستوى؟ وهل هو موجود؟! والسؤال نفسه كيف أحببت الله وعبدته؟ هل بدافع عقيدة أم بدافع أخلاقي أم بهما معا؟ أنت تقول أنك تحب الرسول أكبر من كل الحب، الحب يبنى على ماذا؟ أليس على الخير والفضيلة؟! أم أنها كلمة نقولها وانتهى الأمر؟! تذكر الأشخاص الذين أحببتهم على ماذا أحببتهم؟ طبعاً لصبرهم و أخلاقهم وتضحياتهم ومواقفهم الطيبة، وإلا على ماذا يكون الحب؟ هل يكون على الشكل؟ لا يمكن، حتى في حالة العشق لا يمكن، فكم من جميلة مكروهة، وكم من متواضعة الجمال معظمة في الفؤاد!

ما زلنا نريد أن نفهم ، كلمات التلقين لا تُفهمنا، أنا أعرفها مثلما تعرفها، فأنت لم تأت بجديد، فالكل يعرف هذا الكلام عن العقيدة وتقسيم الإسلام إلى القطع الثلاثة، وإنما نريد أن تكون العقيدة على بصيرة وليس على الطاولة أمام الجميع وحسب، فالبصيرة شرط للعقيدة السليمة قال تعالى {على بصيرة أنا ومن اتبعن} فمن يتبع الرسل سيعبد الله على بصيرة ويبحث عنها, ومن يخالفهم سيخالفهم ولن يهتم بها معتمداً على بصيرة الآخرين، حتى أتباع الأنبياء يكونون على بصيرة وليس بالتقليد فقط.

ثم تحقيق العبودية لله كما أشرت إليها أكثر من مرة كيف يكون؟ هل يكون بالفصل بين العقيدة والشريعة والأخلاق؟؟ هذا الفصل يجعل ما لله لله وما لقيصر لقيصر! بينما العبودية لا تعني العبادة فقط، بل تعني العبادة والحياة والممات كله لله، وكل ما أوتيته لله ولكن لا تنس نصيبك من الدنيا. العبودية هي أن تسلم كل شيء لله كما يفعل العبد مع سيده.

إذا كنت تحب الرسول لأجل العقيدة، فكل المسلمين أو من ترضى عقيدتهم مثله في العقيدة فلماذا لا تحبهم بنفس الحب؟!

كما أقتبس من مداخلتكم :
و مسألة أن الله لم يحرم الخمر أو الخنزير على بعض الأمم، فمن يثبت ذلك؟
لمن يفوتني علما أترك إيراد الأدلة و أكتفي بقول الله تعالى :
" كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة . قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين . " ألآية 93 من سورة آل عمران
و لكم أستاذي الاطلاع على سبب نزولها وتفسيرها .
هل تقصد أن الله كان يحلل الخبائث لبني إسرائيل؟ الله لا يحلل الخبائث, هل تعتقد أنه يجوز عليه أن يحلل الخبائث؟! أم أن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً؟

الآية في سياق ما حُرّم على بني إسرائيل، قال تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ‌ وَالْغَنَمِ حَرَّ‌مْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُ‌هُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} لاحظ أن هذا التحريم عقابي, مثل أن تمنع المصروف عن ولدك والمصروف حلال, فهذا ما كان إلا من باب الامتحان العقابي لهم، مثلما حرم عليهم الصيد في السبت، ليس لخبث الصيد، لكن ليبلوهم في هذه المسألة، ولكثرة أسئلتهم جاءهم ما يسوؤهم, مثلما صعّب عليهم وصف البقرة لما تمادوا في السؤال عنها، بينما في الأصل طُلب منهم أن يذبحوا أي بقرة, لكن لماديتهم صُعّبت عليهم بعض الماديات.

أما أن يشرع الله الخبائث فهذا شيء أبرأ بعقيدتي عنه وأنت اعتقد ما تشاء. أنت تقول أن الخمر أم الخبائث وتقول أن الله كان يحلها على لسان أنبيائه! هذا تناقض! لو سألتك عن الخمر لقلت أعوذ بالله منها ومن شرها وخبثها, ثم تجيز أن يحلها الله و يشربها أنبياؤه, كما في التوراة المحرفة حين سكر نوح وخرج عرياناً ورآه ابنه حام الأسود ولم يغطه فلما صحا قال أنت وأبناؤك عبيد عند أخويك! ومن هنا كان اليهود يسحبون الرقيق من أفريقيا على سفن الاستعمار إلى أوروبا و أمريكا بعشرات الملايين بموجب هذه الوصية من التوراة المحرفة, التي يعتقد بها المسيحيون أيضاً لأنهم يرون أن التوراة كتابهم المقدس مع الإنجيل, أما العبيد الذين كانوا عند المسلمين فلم يكونوا سوداً إلا ما قل وكانوا نتائج حرب وليس سرقة.

ألم يقل الله عن الخمر أنها رجس من عمل الشيطان؟ كيف يحل الله عمل الشيطان لعباده الصالحين وأنبيائه؟ وتقبل هذا على ربك؟!
وبقية الآية التي استشهدت بها {إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} فما يدريك أن إسرائيل حرّم على نفسه الخمر والخنزير؟ و في اليهودية تجدهم يحرمون الخنزير حتى الآن.

و لعلك في تفسير تحريم الميتة أخلاقيا لأنها مقززة تقصير كبير يا أخي الكريم ، فالمعلوم أن ميتة البحر حلال أكلها كما طهارة مائه رغم طعمه المر
ها نحن عدنا للذوق البشري والفطرة! لا يوجد أحد في العالم يتقزز من صيد البحر لأنها تموت أول ما تخرج من الماء للهواء! أما لو آتيك بسمكة ميتة في البحر نفسه فلن تأكلها لأنها قد تكون متسممة أو مريضة. ميتة البحر هي التي خرجت حية وتموت وليست التي تكون ميتة في البحر! فالسمكة لا تذبح عند كل الشعوب!


و سأتناول بعد هذا التوضيح مفهوم العقيدة كما يقدمه من يفوتني علما من كتيب صغير الحجم للدكتور يوسف القرضاوي عنوانه حقيقة التوحيد .

يتبع

الإيمان بالله أصل العقائد كلها


إن الإيمان بالله ـ أي الذات الغيبية العلوية القاهرة الجديرة الجديرة بالطاعة و العبادة ـ هي روح الدين ، أي دين ، و كذلك هو روح الإسلام ، وأصل عقائده كلها ، كما بينها كتاب الله و سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .
فهذا القرآن الكريم حين يتحدث عن أركان الإيمان ومتعلقاته يجعل الإيمان بالله أولها وأصلها كما في قوله تعالى : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ، كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله " البقرة 285 و قوله تعالى : " ولكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب والنبيئين " البقرة 177 و قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله و رسوله و الكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ، و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا " سورة النساء 136
و الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول في حديث جبريل : " الإيمان : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و بالقدر خيره و شره "
فالإيمان بالله هو الأصل و كل أركان العقيدة الأخرى مضافة إليه وتابعة له ، فأنت بعد أن تؤمن بالله جل شأنه ، تؤمن بالتالي بملائكته و كتبه و رسله و حسابه و قضائه و قدره . فالإيمان بها كلها فرع عن الإيمان بالله ومبني عليه . ولايتصور الإيمان بالرسول إلا بعد الإيمان بالمرسل ، ولا بالجزاء والحساب إلا بعد الإيمان بالمجازي والمحاسب .

و الإيمان بالله يتضمن : الإيمان بوجوده بالضرورة ، والإيمان بوحدانيته في ربوبيته وألوهيته ، والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، التي يتجلى فيها اتصافه بكل كمال يليق به و تزهه عن كل عن كل نقص .

تركيز الإسلام على التوحيد

فإذا كان الإيمان بوجود الله موجودا في الأديان الأخرى و يوجد في الفطرة و تدل عليه العلوم و أصبح حقيقة مطلقة لا ينكرها إلا جاحد فإن الإسلام ركز أكثر على التوحيد و هي لب عقائد الإسلام و روح الوجود الإسلامي ، الإيمان بإله واحد فوق هذا الكون ، له الخلق والأمر ، وإليه المصير ، هورب كل شيء ، ومدبر كل أمر ، هو وحده الجدير بأن يعبد و لا يجحد ، وأن يشكر ولا يكفر ، وأن يطاع ولا يعصى . قال الله تعالى : " ذلكم الله ربكم ، لا إله إلا هو ، خالق كل شيء فاعبدوه ، وهو على كل شيء وكيل . لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ." سورة الأنعام 102 103 .

التوحيد المأمور به

إنته توحيد اعتقادي عملي و توحيد عملي سلوكي . و بعبارة أخرى هما توحيدان لا يغني أحدهما عن الآخر ، توحيد في المعرفة والاثبات و الاعتقاد ، وتوحيد في الطلب والقصد و الإرادة .
فالأول هو إيمان بأنه تعالى واحد متفرد في ذاته وصفاته وأفعاله ، لا شريك له و لا شبيه له ، ولا شبيه له ، ولا ولد ولا والد له . ويسمى أيضا توحيد الربوبية
و توحيد القصد والعمل هو إفراد الله عز وجل بالعبودية الكاملة و الطاعة المطلقة ، والذل له و الإنابة إليه والتوكل عليه و الخشية منه والرجاء فيه .. و يسمى أيضا توحيد الألوهية

توحيد الربوبية : قال تعالى " وإن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولنّ الله" العنكبوت 61 كما قال تعالى : " لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ـ سيقولون لله ، قل أفلا تذكرون ـ قل من رب السماوات السبع و رب العرش العظيم ـ سيقولون الله ، قل أفلا تتقون ـ قل من بيده ملكوت كل شيء و هو يجير ولا يجارعليه إن كنتم تعلمون ـ سيقولون الله قل فأنى تسحرون " سورة المؤمنون الأيات من 84 إلى 89

فهذه الآيات توضح الربوبية لله وحده و نلاحظ هنا أن المشركين يقرون بالربوبية لله لكن ينقصهم توحيد الألوهية .

توحيد الألوهية : " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل و أن الله هو العلي الكبير " سورة الحج الآية 62 كما قال تعلى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " الأنبياء الآية 25 وقال سبحانه " إني لكم نذير مبين ـ أن لا تعبدوا إلا الله " سورة هود الآيتان 25 26


وتلك أهم معالم العقيدة التي سألتني عنها و هي تتلخص في : لا إله إلا الله .
و شكرا

هل هذه كل العقيدة؟ هذا شيء سهل! ومنطق الأشياء يجعل أن الإيمان بالله هو الأساس, فلا يُعقل أن تؤمن بكتبه ولا تؤمن به! أو تطيع رسوله ولا تؤمن بوجوده! أو تصلي لإله ترى أنه غير موجود! فالفصل بين الألوهية والربوبية مُقترَح وليس في القرآن ما يشير إليه, لأن كلمة رب وإله شيء واحد واستُعمِلت نفس الاستعمال إذا تتبعت ورودها في القرآن, قال تعالى على لسان يوسف: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} جاءت كلمة إله مع كلمة أرباب.

أما المشركون فهم يشركون مع الله غيره, وهذا السؤال في الآية استنكاري لهم, فكيف تقولون أن الله هو الخالق الرازق وتشركون معه غيره؟! وهذا استنكار لكذبهم يقولون الله لكنهم يرون أن آلهتهم تنفع وتضر وترزق, وإلا لما عبدوها! فهم يكذبون، ليس فقط الله وحده يرزق عندهم، بل هم يشركون مع الله, ألا ترى أن الأنبياء يجادولنهم بأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع؟ فهم يكفرون بتوحيد الربوبية إذا سمينا الربوبية بأنه الخلق والرزق والنفع والضر, قال تعالى{ فَمَا كَانَ لِشُرَ‌كَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّـهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَ‌كَائِهِمْ} والشريك بمنزلة المشارَك في كل شيء, خذها من القرآن. فإذا كان الله يرزق فإنهم يرزقون وإذا كان يوفق فهم يوفقون, ما فائدة عبادتهم؟! حتى لو اعترفوا أن الله هو الخالق الأساسي لكنهم يصرفون شيء من صفات الربوبية إلى آلهتهم كإنزال المطر والنصر والربح والتوفيق والعافية ...إلخ, مثلما هو في تعدد الآلهة عند اليونان, فـ"زيوس" خالق الكون لكن بقية الآلهة هي التي تؤثر في حياة الناس, كأثينا ومنيرفا و ديانا آلهة الصيد وأفروديت آلهة الخصب, مثلما كانت الديانات البشرية, أي توزيع لخصائص الربوبية على آلهة متعددة, ولو كانوا يقرون أنها لا تضر ولا تنفع لما عبدوها، والرزق ومنعه من الضرر و النفع.

إذن هذا الفصل بين توحيد ألوهية وتوحيد ربوبية ليس له مبرر؛ لأن الله وصفهم بالإشراك، والإشراك يعني في الصفات وفي المستحقات, فهم مشركون في كل شيء, يصرفون الاعتقاد ويصرفون العبادة ويشركون مع الله فيهما, ولأنهم يعتقدون أن الآلهة تضر وتنفع وترزق عبدوها رغم اعترافهم بأن الله هو الخالق الأول جريا على الديانات الوثنية المنتشرة في الشرق الأوسط والقريبة من جزيرة العرب.

والقرآن يثبت أنهم كانوا يعبدون الأصنام, إذن ليست مشكلتهم توحيد الألوهية فقط حتى الربوبية, ووصفهم القرآن أنهم يتخذونها آلهة وأرباباً، إذن هم يشركون في الألوهية والربوبية بشهادة القرآن، ولا أحد أدق من القرآن، وبالتالي لا فائدة من هذا الفصل بين توحيد ألوهية وربوبية, لو كانوا يشركون بتوحيد ألوهية فقط لما ورد في القرآن أنهم يتخذون أصنامهم أرباباً ولقال أنهم يتخذونها آلهة فقط، والأفضل هو السير مع التعبير القرآني بأنهم أشركوا بالله بكل ما لله مع أنهم يقرون أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض, ومرة أخرى يقولون {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}, وهذا اعتراف منهم بأنهم يعبدون ما ادعوا أنه يقربهم إلى الله زلفى وليسوا يتقربون بهم فقط بل يعبدونهم معترفين بذلك، وهم يحبون آلهتهم أكثر من الله {تلك إذن قسمة ضيزى} وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ويكون لهم الذكر وله الأنثى؛ لأن آلهتهم ترمز إلى وحدتهم السياسية والقبلية أما الله فهو للجميع. وكان السائد في ذلك الوقت أن كل قبيلة وأمة لها آلهة قومية حتى اليهود الذين يدعون التوحيد يسمون الله بـ (يهوه) إله شعب إسرائيل، أي أنه إله خاص لهم، وربما أنهم أخذوا اسم (يهوه) من (يغوث) وهو آلهة عند الكلدانيين.

وكان المشركون أيضاً يذبحون لأصنامهم ويتعبدون لها ويرجعون إليها مايصيبهم من قحط أو مرض ويقولون غضبت الآلهة، فكيف نقول أنهم يقرون بالرزق كله والخلق والتدبير كله لله؟! أليس إبرهيم عليه السلام يجادلهم بأن أصنامكم لا تضر ولا تنفع؟ ويقولون له ما نراك إلا أًاعتراك بعض آلهتنا بسوء؟ إذن هم يعتقدون أنها تضر وتنفع, والضرر والنفع من الربوبية. لو أقروا أن الله وحده هو الخالق والرازق والنافع الضار لكانت عبادتهم لغيره جنونا, ألا ترى أنهم لا يؤمنون بالبعث؟
ويرفضون رسول الله حباً في آلهتهم التي ترمز إلى تعصبهم القبلي؟ مع أنهم يعلمون أنه رسول الله, وقالوا أنترك ما كان يعبد آباؤنا؟ أصنامهم اعتبروها هوية لهم وتراث، وآباؤهم هم مجدهم.

القرآن والأنبياء يرددون كلمة "عبادة" و"عبودية" ولم يتكلموا عن "توحيد" إلا بعد العبودية, فلماذا صار التوحيد مقدماً؟ التركيز على كلمة توحيد كان أجدر منه أن يكون على كلمة عبادة وتسليم لله وعدم الشرك بكل صوره.
لما تركز على كلمة توحيد صار أهم شيء ألا تعتقد أن معه أحداً وليس أهم شيء أن تعبده! وما زلنا في نطاق الأفكار.

فصارت المسألة مسألة عقيدة فقط, كأن أهم علاقة بالله أن نوحده, مع أن هذا جزء وليس الكل، لاحظ قوله تعالى: {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً}, فكلمة العبادة مقدمة على لا تشركوا به شيئاً، أي أن العبادة مقدمة على التوحيد, ولم يقل لا تشركوا به شيئاً ثم اعبدوه! والعبادة تعني التسليم كما سلم إبراهيم وإسماعيل، والتسليم من العبادة ومنه الإسلام، والإسلام من فرع العبادة وليس من فرع التوحيد.

التوراة تركز على التوحيد ولا تركز على التسليم والعبودية مع أن كلمة إسلام تعني تسليم, {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ}. التوحيد هو شرط للعبادة, إذن العبادة هي الأساس والتوحيد شرط, وما فائدة توحيد بدون تسليم؟ وأي اعتراف بدون تكاليف أمر سهل، ومن يعترف ويبتعد عن التكاليف مثل من لا يعترف، الإسلام إذن كله مهم ، وما فائدة أن يعترف أحد بحقك ولا يدفعه لك؟! الاعتراف والتسليم لا ينفع أحدهما إلا بالآخر.

حتى لغوياً ليست كلمة رب بمعنى من يخلق ويرزق ولا يُعبَد، وأن كلمة إله تعني من يعبد ، والقرآن نزل بلسان عربي مبين..

وشكراً لك ..
وجزى الله خيراً كل باحث عن الحق، وأتمنى أن نكون منهم إن شاء الله..