عرض مشاركة واحدة
قديم 01-10-2014, 03:10 AM
المشاركة 29
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
النهاية


(11)
لماذا أحضرتني اليوم يا مي ؟
ليس موعدنا بأيّ حالٍ من الأحوال
إني مرهقةٌ يا طبيبتي
- قد تكونين اقتربتِ من الشفاء يا وجد و اقترب وقت خروجكِ.
أضحكُ في إشفاق:
- و لربما قاربت قصتنا على الانتهاء
تزفرين في عمق :
- أنا لا أصدّق قصصك يا وجد, إنها من وحي خيالكِ, عليكِ أن تؤمني بهذا لأنه طريقكِ الوحيد للشفاء.
أجيبُ في سخريةٍ لا تتناسب مع وجهي المرهق :
- بل طريقك أنتِ للخلاص.
تتسع عيناكِ في ارتياع , أردّدُ في تشفي:
- لماذا هذا الرعب المرتسم على وجهك؟ أخبرتك منذ البداية أنك المختارة, سأكمل لكِ بقية القصة, هل تعلمين بقية القصة؟
... تشتّت أولاد بدرٍ في بقاع الأرض, منهم من قاوم و تزوّج و أنجب, و منهم من لقي حتفه بلا هدف.
أعلم منذ الأمس أن مصير بدر يؤلمك ,كان أبوكِ يحكي عن اختفاء جدته الغامض...
وعن تفرُّق أبوه و أعمامه و عمتّه بين بيوت الأقارب في كل مكان, فسبعة أطفالٍ همٌّ كبير خاصة بعد افتقرت عائلتهم ومرض أبوهم .
تقومين في توتر
لا تدّعي أنّي فاجأتكِ يا مي, فأنتِ تعلمين من البداية من أنا, نحمل نفس الاسم , بل ولنا ملامحٌ متقاربة..
ملامحٌ ورثناها عن بدر جدتنا الكبرى , و حملنا معها لعنتها في دمائنا, وبعضاً من شرّها , جميعاً نحمل إرث الدم , لكن يجب أن يقترن بخطيئة الدم.
أراكِ تنظرين بعيداً عبر النافذة المفتوحة, تديرين ظهرك وكأنكِ في عالمكِ بريئةٌ طيبة, ما زِلتِ بريئةً طيبةً يا مي...
كنتُ يوماً بريئةً طيبة, لكن أتعلمين ماهى خطيئة الدم التي جلبت كل هذا الدمار على رأسي؟
لقد قتلت ...
نعم قتلت !
دون قصد.
لكنني هربت من جريمتي
كنت بصحبة أخي, أقود السيارة وهو يحثني باصرارٍ على أن أُهدِّأ سرعتي, لم يكن خطأي بالتأكيد ظهور هذا الصبي الصغير ,ولم يكن خطأَ أخي أنّي رفضت التوقف. رغم شعوري بتكسُّر عظامه أسفل عجلات السيارة, الخطأ في تركه ينزف في تلك الساعة المتأخرة من الليل.
لقد بدأت اللعنات من يومها,كنت نبوءاتي السبعة تتراءى لي كل عام, أدركَ أخي الأمر , أخبرني بأن صدمُ الصبيِّ لن يمر بسهولة, و حينما حانت له فرصة الهجرة أمسك بها دون تراجع ودون أدنى رغبةٍ في البقاء معي.
نسيتُ الحادثة بعد فترة, و بدأتُ في أخذ النبوءات ببعض الدعابة.
لم أتذكر شيئاً, أيّ شيء إلا و أنا بين يدي الهيكل العظمي في ادفو , ربما تكون واحدةً من نسل بدر وربما تكون ابنتها, ربما تكون ساحرة كوش نفسها.
تعلمين الباقي يا مي , وجدوني في الصباح الباكرِ فاقدة الوعي, وحين أفقت في حجرتي بالمركب كنت أحطّم كل شيءٍ بل وحاولت الانتحار, الأمر الذي كررته عدة مرات ...
ما زلتِ تديرين ظهرك يا مي
تحملين بالتأكيد إرث الدم ,لعنة بدر التي أورثتها نسلها وستحملين بالتأكيد خطيئة الدم.
تنظرين إليّ متعجبةً
- وهل سأقتل يا وجد (ثم تضحكين في سخرية)
إطمئني إنّي حتى لا أقود أيّ سيارة ,لن أقع في خطئك.
أنظر إليك ملياً ,شيءٌ في أعماقي يجبرني أن أخبرك
ابنتك الصغيرة ذات الستة أعوام مريضةٌ بفشل كلويٍّ حاد, و كليتك أنتِ نفسك متعبةٌ ولا تستطيعين التبرّع ونفس الحال مع زوجك, هي حالةٌ نادرة الحدوث, تفقدين الطفلة يومأ بعد يوم, أجريتِ لي فحوصاتٍ لأني قريبتك , أحمل كليَةً ممتازة ...
تنظرين إليّ غير مندهشة
تُخرجين من حقيبة يدك شيئاً
تغرسين الحقنة في أوردتي
و أنت ترتجفين
- سامحينى يا وجد, أحتاج كليتك بشدة , أشعر أنّي متعبةٌ يا وجد.
أرى دموعك على وجهك و يدك تمسح وجنتي و تقولين بندم:
- حقنتك بمصلٍ يهدئ نبضات قلبك حتى الخفوت.
أهمس بضعف:
- هل سيمر وقتٌ طويل؟
أرى جسدكِ كلّه يرتجف و أنت تخبئين وجهك وتبكين وصوتك يأتي سحيقاً:
- نحو عشر دقائق .
- و إليك نبوأتي السابعة: كليتي لا تصلح, ثمة خطأٌ ما في الفحوصات, أغمض عيني على وجهكِ المرتعب , أستلذُّ به كثيراً, بك كثيرٌ من وجه بدر .
إذاً دعيني أكمل نبوأتي الثامنة لأن في الثامنة موتي:
هناك طفلٌ صغير
ابن حارسة العقار
يشبه ابنتك كثيراً
ستعرفين يوماً سر الشبه
سيخبرك قلبُك مئات الأشياء عن الغدر والخيانة
ستفاجأين أنه يحمل الكثيرَ من ملامح زوجك
لن تجدي مناصاً من قتله و إخراج أعضائه
خطيئة الدم يا مي ...
أراكِ ضباباً يا مي, لا تجزعي أيتها المختارة, تتلاشين وتتلاشين لأنه في الثامنة موتي ...