الموضوع
:
سيدة النبؤات- رواية قصيرة
عرض مشاركة واحدة
01-02-2014, 06:47 PM
المشاركة
25
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
تاريخ الإنضمام :
Aug 2009
رقم العضوية :
7565
المشاركات:
238
أين أنت يا مي...اجلس منذ ساعة في انتظارك... ساكنة، هادئة.. تدخلين من
الباب...تجلسين في مكانك المفضل. اليوم أطلقت لشعرك العنان، وتخليتِ عن
نظارتك...تعتذرين عن التأخر... معذرة
وجد
فقد كنت في طريقي إليك... طلب منى
مدير المستشفى اجتماع عاجل...
انظر إلك بتمعن وأقول كاذبة...بل كنت تدرسين حالتي
من خلف الزجاج النصف مرئي... من رفيف رموشك السريع وفمك المزموم...اعرف أنى أصبت
كبد الحقيقة.
تدراين ارتباكك، وتعقصين شعرك بعجالة، ولا تنسى بالطبع ارتداء نظارتك
وصوتك يكتسب بعض الثقة... هل هي احد تنبؤاتك يا وجد؟
فأقول في ضعف كلا تدرسين
حالتي منذ أشهر...وفاتك أنى أيضا أدرسك منذ أشهر ..
إميل للأمام وصوتي يكتسب
بعض الإثارة... نبؤاتى قاتلة ومدمرة أيتها المختارة يبدو أنى أثير قلقك اليوم
فتنظرين مليا إلى قيودي... تقولين بصوت قاس
.. -:
إني أنصت يا وجد فهل لديك ما
تقولينه أم أؤجل
لقاؤنا لوقت لاحق...
أغمض عيني وأنا اهمس بإشفاق لا أمل منك
..
كما لم يكن هناك أملا منها...تفتحين فمك مرتاعة...ماذا تعنين؟
أجيب ببرود
هل نكمل قصة زرد؟
تركنا زرد الصغيرة بين يدي الهانم...ورجالها التي تصادف مرورها
في الصباح الباكر كعادة الأثيرة،
تجوب بعربتها ذات الستة جياد الكفور، والنجوع
لعدة
ساعات... وقد تعجب رجالها من تصرفها بحمل الصبية التي تكاد تلفظ أنفاسها
على وجه السرعة إلى طبيب بلدتها...
لم يكن رأس في البلدة يجرؤ على رفع هامته أو
النظر في عين الهانم، فقد عرف عنها سطوتها وقسوتها...ولا عجب أن
بلدتها
اسمها بلدة الهانم!
كانت تملك قصر منيفا ورثته عن زوجها الباشا الراحل وورثة
هائلة من المواشي والأراضي ملك يديها ..في الخمسين من عمرها ..لها ثلاثة
أبناء ذكور ..تركوا البلدة جميعا منذ زمن هربا من سطوتها والسكن بالعاصمة بعد
انتهاء تعليمهم في عاصمة النور بباريس
.
حينما أسعف الطبيب الصبية وهو يشتاط
غضبا مما
شاهده من آثار تعذيب وعنف على جسدها سألته في
خفوت هل ستعيش أجاب في
اقتضاب تحتاج رعاية لعدة أيام بالمستشفى ويجب قبلا إبلاغ...لم يكد يتم
كلمته حتى أمرت رجالها بحمل الطبيب والصبية إلى قصرها فبدا بالصراخ ...
كتم صوته
احد رجالها وهو يهمس في أذنه ويعضه منها في نفس الوقت...
-اصمت.. وإلا أمرتنا بقطع
حنجرتك.. فسكت وهو يستمع لصوتها العميق سننقل المستشفى عندنا أشارت للرجل
أن يتركه وهي تشيح ببصرها بعيدا...اعد ما يلزمك...أمر الصبية يهمني ... حياتها من
حياتك... ابتلع الطبيب ريقه .
..
هو يعلم من هي الهانم..إن القصص التي تروى
عنها مفزعة ..اقل ما يقال عنها أنها مفزعة..لكن ماذا يربطها بفتاة سوداء
تعرضت لحالة إجهاض
.
- -
ظل ثلاثة أيام في قصر الهانم يولى الصبية عنايته
الفائقة
..
في البداية خوفا من قسوة المرأة الجبارة. لكن الفضول اعتراه
واجتاحته رغبة قوية في معرفة مأساة هذه الصبية الصغيرة الرائعة الجمال. فرغم
لونها الأسود الابانوسي كانت تملك عيون ذهبية رائقة وشعر حريري مدهش انب نفسه
..
انه طبيب ..لا ينبغي له التفكير فيها هكذا
..
لكن الصبية كانت تثير مشاعره
بتحديقها المستمر في السقف وعيونها الغارقة في الدمع وصمتها المطبق
كان يحدثها وهو يعالج احد الجراح في ذراعيها حينما أحس برفيف ثوب ووقع أقدام
خلفه وصوتها العميق يقول
-:
كيف هي؟ ينزف بعمق أنها تتحسن- في الحقيقة
يذهلني
تحسنها السريع- رغم كل مأساتها لها بنية قوية...
سرحت الهانم في قوله
لفتاة أخرى وزمن آخر وأب طيب وعربة يجرونها كل يوم لبيع الحلوى وعيون الباشا
تراقبها ويختارها لملاحتها وبياضها الشديد وأبيها الطيب يعجز عن رفض ابنته
ذات الخمسة عشر عاما للباشا الكهل المزواج ..لديه ثلاث نساء اربيات مثله...حينما
تحظى إحداهن بالمكان الرابع لا يلبث العام أن ينصرف ويخلو المكان لزائرة جديدة
ولكن عامها كان مختلف فلم ينتهي
إلا وهى تعلن للباشا العقيم نبأ حملها وسعد
أيامها كما تخليت وطار بها خيالها حين لفظها الباشا ونساؤه عبر السلالم وهو
يندفع للبحث عن سلاحه لقتلها هي الخائنة...
جرت في
البلدة التي شهدت عربة أبيها وحلواه
وصوتها المجلجل ينادى .. خبطت على كل البيوت
كي
تنقذها ..قبلت الأيدي والأقدام ..أغلقت الأبواب في
وجهها وركلتها الأقدام
بقسوة ولطمتها الأيدي بعنف
..
ورجال الباشا في أثرها كالموت الأسود ..لم
يسعفها
سوى أبيها الطيب بحماره العجوز وعربته المهترئة وقد ارتعب لصراخها
..
اختطفتها خطفا وهى تئن بحملها
..
دخل بين حقول الذرة وهم في أثره ولم يحتاج
قلبا هلعاً وهو يدخل بها المقابر المظلمة ليلا بقدر ما ارتعب من أن يذبحوها
ويذبحوه بلا رحمة ..هو لا يعرف سبباً لما يحدث..لكنه يعرف جيداً غدر الباشا
وتقلبه..ماذا فعلت ابنته البائسة حتى يطلق كلابه في أثرها..كان يسمع صوت
حوافر خيولهم تدوس حقول الذرة بلا رحمة وحماره ينهق...خشي أن يدله صوت الحمار
عليهم ..عاجل رقبة الحمار بسكين الحلوى .. راقب الحمار وهو يلفظ
أنفاسه..
الأخيرة وفى عيونه البراقة المحدقة في الفراغ عدم تصديق مذهل...
رد مع الإقتباس