عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2013, 05:13 AM
المشاركة 22
نزهة الفلاح
باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
  • غير موجود
افتراضي
رجل بالفطــرة... خبـرة وعبـرة ...قصة حقيقية

قصة مسلسلة قصيرة

الحلقة السابعة

عاد أحمد من العمل مع الثامنة صباحا مرهقا، يحس بوجع رهيب في ركبتيه.. وله عودة مرات للعمل كعادته اليومية منذ أن احترف المهنة الجديدة، توزيع الخبز الساخن من الفرن على دكاكين البقالة في المدينة..

سقط في فناء البيت لا يستطيع الحراك.. وهو يكتم الألم، وزوجته في المطبخ تحضر الفطور لعلمها بموعد وصوله...

خرجت أخيرا باحثة عن ابنها الأصغر، يلعب بطائرته الورقية في غرفة قريبة..

فرأت زوجها الحبيب طريح الأرض، هرولت إليه، سي أحمد سي أحمد ما بك؟

كان أحمد يحس بعجز تام عن تحريك رجليه، فعقد لسانه من صدمته وقلبه يخفق من مجرد التوقع أنه قد أصيب بشلل...

ارتدت نقابها بسرعة وطرقت باب جارتها التي جاءت وزوجها للمساعدة..

حملوه إلى السرير.. وذهب الجار بسرعة لجلب الطبيب..

لقد شل أحمد ورجلاه أصابهما عجز تام، والسبب غير معروف بدقة..

طبيعة عمله تفرض عليه الجلوس طويلا في السيارة، وخروجه في الثالثة صباحا للحاق بالخبز الساخن والانتهاء من توزيعه في كل ربوع المدينة قبل السادسة صباحا...مما يؤثر عليه كثيرا، فالسيارة حرارتها مرتفعة نسبيا بارتفاع حرارة الخبز، والجو بارد والوقت سحر..

بكى أحمد في صمت وبحرقة، خمسة أطفال والسادس في الطريق، والدخول المدرسي على الأبواب، وأقساط السيارة التي اشتراها لتوزيع الخبز تلاحقه شهريا، وأسرته لا عائل لها سواه..

أتت زوجته ومعها ماء ساخن وملح، وهي تفكر في نفس الأمور التي تشغل زوجها، لكنها تبتسم وتفوض أمرها إلى الله ببساطتها ويقينها الفطري الذي لم تلوثه مادية المدينة بعد كل هذه السنوات..

ربتت على كتفه وقالت: سي أحمد لن يخذلنا الله لا تقلق، فكل الحارة تدعو لك، لن يتركنا الله، أنت نور البيت وسندعو الله أن يديمك لنا...

مرت الأيام وأحمد يلازم ورده، ويقاوم إحساسه بالضعف، والدمعة التي تفر من عينه كلما ذهب أحد زواره..
والزوجة باعت ذهبها لتساند زوجها في محنته

جاء أخوه القاطن بمدينة في أقصى البلاد مسرعا لما علم بمرض أخيه، فطاف به عند الأطباء، وكل يقول لا أمل، إلا إذا أراد الله..

يئس الأخ، وقد ترك زوجته وأبناءه، فأعطى مبلغا من مال يكفي لشهور لزوجة أخيه ووعد بإرسال راتب شهري لهم حتى يشفي الله أخاه، فجميله لن ينساه وهو من أتى به إلى المدينة، وأواه وأنفق عليه حتى صار رجلا وساعده كثيرا..

مرت أربعة أشهر وأحمد قابع في غرفته، يرجو رحمة من ربه، يراجع ما حفظ من القرآن ويبكي بين يدي الله خفية وقد عجز عن السجود، أحس بشوق حقيقي لسجدة يفرغ فيها شكواه دون أن يرى دموعه أحد من أسرته، وتمناها من كل قلبه...

بعد شهر، مرض والده، واشتد به الألم، فجاء به أخ أحمد الأكبر إلى المدينة، قاصدا أخاه ليدخله للمستشفى ويرعاه..

لكن هذين الأخيرين تحسرا على حال أحمد، ونسي الأب الوجع لوجع ابنه.. لكن الأمل في الله لا ينقطع..

ازداد الحمل على الزوجة، وتضاعف المجهود لإرضاء الجميع، الزوج المريض والأطفال والضيوف رغم الحمل والمشقة..

وفي يوم من الأيام، ذهبت مع والد زوجها وأخيه للمستشفى وتركت ابنتها الكبرى تطبخ الغداء، وأحمد في غرفته كعادته الجديدة...

قطعت الابنة البطاطس وسخنت الزيت على الفرن وما إن وضعت البطاطس في الزيت حتى صرخت صرخة مدوية يهتز لها الفؤاد..

يتبع بعون الله
بقلم: نزهة الفلاح