الموضوع
:
صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
12-23-2013, 06:47 PM
المشاركة
36
ياسر علي
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 3
تاريخ الإنضمام :
Dec 2012
رقم العضوية :
11770
المشاركات:
1,595
المدينة فضاء أرحب ، بنايات شاهقة باسقة ، شوارع عريضة ، ساحات ممتدة ، حدائق مخضرة تزينها زهور متفتحة ، أفواج متلاطمة من الناس من كل الألوان والطبقات ، سلع مكدسة في المتاجر ، ألبسة ، أجهزة ، مواد لمختلف الاستعمالات ، كل الحرف ، كل المهن ، منذ ترجلي من الحافلة و أنا أتجول في هذا العالم المختلف ، كل الأحياء متشابهة ، قد لا أستطيع العودة إلى المحطة ، لا يهم فقط أود التآلف و هذا الكون الفسيح ، فسيارة أجرة كفيلة بإرشادي إلى حيث مقصدي ، حيث يسكن رمضان ، شاب قد يكبروني بعامين ، وسيم ، متفهم صديق سهام أو حبيبها هكذا قالت عائشة . تذكرتها فتأملت المشهد أمامي ، عدد وافر من هؤلاء الشقراوات يشبهنها ، كل فتيات المدينة جميلات أنيقات فاتنات رشيقات ضاحكات ، أحسست التعب ينتابني فتتكاسل يقضتي ، الليل كله أشرب الدخان عند استسلام الركاب للنوم ، لم يغمض لي جفن ، كيف للنوم أن يتجرأ علي و أنا أسافر لأول مرة ، و سحر عائشة يجذبني إلى حيث تمضي عطلتها . استويت على كرسي خشبي طويل في مقهى شعبي ، مائدة طولة أمامي ، طلبت من النادل فنجان قهوة و قطعة حلوى أجهل اسمها ، من نظرته تيقنت أنه أحس بغربتي ، فمحفظتي الظهرية معي ، وملابسي تقادمت طبعتها ، عندما كنت في القرية كنت أكثرهم أناقة ، وعند رسوي بالمدينة رأيتني كقادم من أعماق التاريخ ، فأزياء المدينة براقة شفافة ملساء ، تكاد تختفي الفوارق بين ملبس الذكر والأنثى ، حتى بشرة المدنيين لينة رطبة مشعة ، و بشرتي برية جافة . ارتميت في جوف سيارة صغيرة ، سلمت العنوان للسائق ، الذي كثرت صولاته وجولاته ، سمعت سابقا بخبثهم ومكرهم ، اليوم جاء دوري لأكون الضحية ، كلما استكشفوا جهل الزبون بمتاهات المدينة ، طافوا به الأحياء سبعة أشواط . توقفت السيارة أخيرا أمام منزل بحديقة وباب حديدي ، سور المسكن يعلوه شباك حديدي ، دفعت ورقات قدر ما دفعت لتذكرة الحافلة ، تقدمت نحو الباب طرقته طرقا لطيفا ولا من مجيب ، تفطنت إلى زر الجرس ، فضغطت عليه ضغطات متوالية يزداد استرسالها مع كل ضغطة ، فتحت فتاة في مقبل العمر الباب متسائلة : " ماذا تريد أوجعت آذاننا " ، اعتذرت وحمرة الخجل تعتري ملامحي ، فتمتمت : " هل أخوك رضوان في المنزل ؟ " ردت بشيء من التعالي و ببرودة مصحوبة ببعض لامبلاة :" انتظر فهو لا يزال نائما . "
كانت الساعة تقترب من منتصف النهار ، رمضان أيضا مثلي يستيقظ متؤخرا ، كل الشباب يملأ جوفهم الكسل ، حياتهم تمضي بين نوم وتجوال ، قليلون هم الذين يستقبلون يومهم بجد وترحاب ، جلهم يمعنون سهرا ليلا و يتوغلون نوما نهارا .
رد مع الإقتباس