عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2010, 07:35 PM
المشاركة 66
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السمع أكثـر أهمية من البصر


من الحقائق المعروفة جيدًا أن الصمم الكلي أو الجزئي يقود إلى إعاقة مستوى التطور اللغوي كما قد يؤثر على المجالات الأخرى العديدة، وهذا يؤثر على التطور الانفعالي والمعرفي بشكل عام بينما قد يواجه العمى بعض الصعوبات في التعرف على العالم المحيط بهم إلا أن الصم لا يقدرون على التواصل بوسائل لغة البشر المألوفة، لغة الإشارات معروفة ومستخدمة من قبل أقلية صغيرة من الأفراد كما يمكن استخدامها داخل حدود معينة إلى درجة أنها تتباين من قطر لآخر ومن لغة لأخرى، ومن ناحية أخرى فإن العُميَ قادرون على استخدام حاسة السمع لديهم على الوجه الكامل وقادرون على القيام بتبادل لفظي ذي معنى، لذا يتبين لنا ـ على العديد من الأصعدة ـ أن السمع أكثر أهمية من البصر.

لحاسة السمع علاقة لصيقة للغاية مع بعض الصور الحسية الأساسية، على وجه الخصوص الحساسية الداخلية للمكان Spatial internal sensitivity مثل: (أ): حاسة السكون. (ب): حاسة الحركة، وعلى الرغم من أن حاسة السكون قد لا تشتمل على تغيير، فإن حاسة الحركة لا بد أن تمر بتغيرات متباينة وفقًا للسياق الذي تعمل فيه، وعلى النقيض من ذلك فإن حاسة البصر، فضلاً عن أهميتها الواضحة، تعجز عن تحقيق الإدراك المعقد المتعدد الاتجاهات الذي يمكن أن تحققه حاسة السمع، فالبصر يعمل في مدى محدود للغاية بينما يمتد السمع ويتجاوز ذلك المدى.

والأذن البشرية أكثر دقة في تحليلها لصفات الصوت (والضجيج) من العين في تحليلها لظلال الألوان وصفات الضوء، وتعجز العين على سبيل المثال عن تحليل الألوان المركبة فيما يخص مكوناتها غير أن الأذن قادرة على تحليل الوحدات الصوتية المعقدة بما في ذلك الضجيج الذي يحدث في الخلفية، وعلى هذا النسق فإن للأذن ميزة إضافية على العين فيما يتعلق بمقدرتها الفائقة على تحليل الأصوات السمعية أو الشفوية عالية التعقيد وظاهرة الصوت/الضجيج (Voss,1972:16ـ21).

إن الإدراك السمعي أكثر تحررًا من آثار الخداع الإدراكي (والأوهام الإدراكية) من الإدراك البصري. وتعتبر الخداعات الإدراكية الأكثر شيوعًا هي الخداعات البصرية بينما تكمن الهلاوس الأكثر شيوعًا في الخداعات السمعية، ويعني هذا أن البصر قابل لأن يخطئ في ظروف الإدراك العادية بينما حاسة السمع ـ في الظروف غير العادية ـ أكثر عرضة للخطأ في حالات الشذوذ الإدراكي والحالات المرضية (Robinson,1972). وعليه فإن مزايا السمع تميل أكثر إلى الموضوعية في طابعها عندما يتعلق الأمر بالنظر والتمعن في العالم الخارجي ووصفه فيما يخص السلوك الإدراكي العادي، وفقط في حالات المضطربين عقليٌّا تكف حاسة السمع عن العمل على الوجه السليم.

من ناحية أخرى حتى وإن كان الشخص الأصم قادرًا على الإبصار فإنه عاجز عن الارتباط مع أعضاء جماعته الكلامية بنفس السهولة التي يستطيع بها الشخص الأعمى التواصل عبر اللغة نتيجة لهذا فإن لغة الأصم أقل تطورًا من لغة الأعمى حيث إن الصمم، سواء كان جزئيٌّا أو كاملاً غالبًا ما يعوق التطور اللغوي ويؤثر سلبًا على التفاعل التواصلي السليم بين أعضاء شتى المجموعات الاجتماعية.

تثبت لنا هذه الحقائق أن:


1 ـ نظام الإدراك السمعي البصري للبشر لا يكتسب ولكنه بالأحرى فطري ذو أهمية محددة فيما يتعلق باللغات.

2 ـ السمع والبصر بالنسبة لإدراك البشر يمثلان وجهين لعملة واحدة ويؤديان إلى اكتساب المعرفة على الوجه الأمثل، وبهما نستطيع تأمل أعظم آيات الله ـ جل جلاله ـ في إحدى جوانب السلوك البشري ألا وهو تعلم اللغات والقرآن الكريم بتمييزه للسمع والبصر على غيرهما من الحواس الإنسانية الأخرى فإنه يطلب من الإنسان تحقيق الاستفادة البناءة العظمى من هذه النعمة التي منحها الله ـ سبحانه وتعالى ـ وذلك لأن الإنسان يستطيع من خلالها أن ينفذ إلى عالم الأشياء والرموز معًا. لهذا يجب أن تحتوي المواد التعليمية المستخدمة في الاستماع للغة الثانية على معلومات سمعية وبصرية. وهنا يتجلى إعجاز القرآن في ذكر السمع والبصر متلازمين بنفس التتابع وذلك لاكتساب المعرفة البشرية حيث يولد الطفل وهو لا يعلم شيئًا. وعن طريق السمع والبصر والفؤاد يستطيع أن يكتسب العلم والمعرفة. قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)(النحل: 78). إضافة لهذا يتوجب علينا تطوير مهارات القراءة خلال المراحل المبكرة من تعلم اللغة وذلك لأن عنصر القراءة يتوفر في المعلومات البصرية.

يتبــع ~ ~