عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2013, 03:59 AM
المشاركة 12
نزهة الفلاح
باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
  • غير موجود
افتراضي
تلميذة قلب أستاذها كيانهاقصة حقيقية ومميزة

سلسلة قصصية قصيرة هدية لكل رجل تعليم يصون الأمانة التي يسره الله لها..

الحلقة السادسة:

احتارت كريمة في جو بيتهم المزعج، وضيق البيت الذي لا تعرف معه تركيزا ولا عونا لتحقيق هدفها... أن تصير عالمة في مجال من مجالات الفيزياء... لم يكن الهدف دقيقا لكنه كان محددا، بعد أن علمها الأستاذ محمد في حواراته في الصف، أن كل مخلوق خلق لما يسر له، وشرح لهم أن لكل إنسان قدرات أودعها الله فيه، ليستثمرها في إعمار الأرض في مجال معين، يناسب مواهبه وميولاته وقدراته... فاختلت بنفسها وقررت أن تنفع العالم في هذا المجال الذي تحبه كثيرا.. رغم أن أستاذ الفيزياء كان لا يشرح بالشكل الكافي، إلا أنها كانت تبحث وتسأل أساتذة آخرين فيما لا تفهمه، فكان بعضهم يقدرحماسها ولا يبخل عليها بالمعلومة والشرح الوافي..

قررت أن تخبر الأستاذ محمد بحيرتها، ليرشدها إلى حل للتركيز والتفوق... وراقبته حتى دخل من باب الأساتذة وكان صباح يوم ثلاثاء، فقابلها بابتسامته المعهودة، وأنصت إليها جيدا، ثم قال لها: يا ابنتي عندي الحل، ولكن لا تسأليني عن شيء عنه، أعلم أنك كثيرة السؤال والتحليل، نفذي ولما تنجح المهمة سأشرح لك بإذن الله..

خذي يا ابنتي هذه السبحة الصغيرة، ضعيها في جيبك وكلما لمستها استغفري ربك كثيرا ...

ثم فتح حقيبته وأخذ منها كيس تمر صغير يبدو كأنه معد مسبقا، وقال لها: هذا بعض التمر من أحب البلاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتفظي به وكلي بعضه كل صباح، وصل الفجر ولا تنامي بعدها، واجلسي في سلالم البيت واحتاطي من البرد، ذلك وقت بركة ركزي فيه وأهلك نيام... ثم عند الضجيج نامي وارتاحي...

وفي طريقك إلى المدرسة أو انتظار أي شيء أو في وقت تحسين أنه ضائع، افعلي أمرين.. اذكري الله، وناجه وكلميه واشكي له، استشعري رعايته تحيط بك، وتجاهلي كل المشاكل المحيطة، المهم ركزي على توازنك أنت.. وكلما اسودت الدنيا في عينيك اخرجي من دائرة المشكلة وضعيها بين يديك وكأنك مستشارة فيها واقترحي حلولا... وهونيها أمام قدرة الله وانظري إلى بعيد وتخيلي أنك فعلا قد وصلت واسعدي واهنئي بفضل الرحمن..

وعند الضجيج في البيت أيضا يمكنك فقط مراجعة المواد التي لا تحتاج إلى كثير تركيز، أو استحضار ما حفظته صباحا ليثبت في القلب..

وأنا موقن أن الله سيقوي ابنتي النجيبة وسيعينها لأنها معه، وستتفوق كعادتها وستكون بعون الله المنافس القوي لمحمد زميلها كعادتها ..وأرجو من الله أن يفتح لك ويرزقك من واسع فضله...

انتهى اللقاء بعد الشكر والامتنان، وقد شحنت كريمة بهمة عالية، وانصرفت إلى صفها وهي محلقة في سماء التقدير والتشجيع والحلول الجميلة...

وصلت إلى البيت بعد الظهر فوجدت السمسار يطالب بالإيجار المتأخر... والأم لا تعرف ماذا تصنع، فزوجها في أزمة مادية خانقة وكل أولادها يدرسون ولا شيء ذو قيمة تملكه لتبيعه...

دخلت كريمة وتركت الأم تفاوضه، ودخلت وهي منزعجة من هذا الأمر الذي يقض مضجعهم كل يوم، لكنها تذكرت كلام أستاذها، فدخلت غرفة الجلوس وكان الجميع في مدارسهم وأشغالهم.. فشرعت في الاستغفار ثم بعد دقائق قامت فصلت الظهر ودعت الله في السجود وهي مشحونة بطاقة اليقين التي استمدتها من حديثها مع الأستاذ محمد...

بكت وسلمت بضعفها وأقرت بقدرته سبحانه، ناجته بقوة وهي موقنة أنه يسمعها... غسلت قلبها الصغير في سجدة طويلة أقلقت أمها التي كانت تراقبها بعد أن اتفقت مع السمسار الذي يرسله صاحب البيت لجمع الإيجار على مهلة أسبوع لتسديد نصف المبالغ المتأخرة من الإيجار... ثلاثمائة دولار مبلغ مرهق لأسرة يعولها رجل كل راتبه مئة دولار...

قامت أخيرا من السجدة وأكملت الصلاة، وما إن أكملت حتى وجدت أمها تقول بغضب ممزوج باستغراب: إياك أن تكوني قد صرت من المتزمتين، هذا ما خشيه والدك، أن تتوغلي بقوة فتخرجي بقوة وتنحرفي...

ضحكت كريمة وقالت وهي في توازن عميق لا يدركه إلا من جربه: اطمئني يا أمي، أنا فقط كنت أدعو بزوال هذا الكرب العظيم... سيف الكراء والدين ...

ثم انصرفت إلى المطبخ لتساعد والدتها.. وهي منتعشة بذكر الله بالسبحة الغالية الهدية من الأستاذ الرائع...

وبينما هي تغسل الأواني وتكرر: اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك... إذ طرق الباب طارق...

يتبع بإذن الله

بقلم: نزهة الفلاح