عرض مشاركة واحدة
قديم 11-28-2013, 05:21 AM
المشاركة 27
نزهة الفلاح
باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع
  • غير موجود
افتراضي
يوميات متعلقَين ... يوميات مجنونة...قصة حقيقية...

الحلقة الخامسة عشرة

وصلت سلمى إلى كلية الصيدلة وقلبها يحدثها أنها راسبة لا محالة، فلا يعقل أن تنجح ويتم اختيارها من بين أربعة آلاف متبار، لتكون من التسعين الذين سيدرسون الصيدلة لمدة خمس سنوات.

وقفت أمام اللائحة وقلبها ينبض بسرعة، تصفحت قائمة الأسماء.

اهتز قلبها طربا وفرحة، هاهو اسمها أخيرا، لقد نجحت وستحقق حلم أمها التي صابرت لأجلها.

استقلت الحافلة، وكل همها الآن أن تفرح أمها وفرح وصديقة حميمة أخرى. وتمنت من كل قلبها لو طارت إلى دكان جمال لتبشره بالخبر المفرح، جمال الذي لا يفارق بالها، والحيرة تجاهه تقض مضجعها.

ذهبت إلى الحارة المعلومة، وبشرت فرح. وسؤال يروج داخلها، كيف نجحت وأنا لم أركز كثيرا في المراجعة، أي نعم أنعم الله علي بحل أغلب المسائل، لكن سبحانك ربي، كيف أنجح وأنا واحدة من آلاف من كل مدن البلاد.

مر شهر فحان وقت الجد والعمل، وانتقلت سلمى إلى كلية الصيدلة، في عالم جديد تغلب عليه الأرستقراطية الخادعة، لكنها وجدت هناك بعض الطالبات درسن معها في كلية العلوم فاستأنست بوجودهن. رغم اختلاف زيها قليلا عن الجو العام، حجاب ساتر مع منظومة داخلية متكاملة من القيم والتعامل بما يرضي الله بفضل الله.

جعل الأنظار تتجه نحوها، إما بتهمة أنها معقدة، أو نظرات استغراب من زملاء، أو سخرية من البعض.. لكنها كانت متبلدة الإحساس عن العالم الخارجي، لاسيما وأن اهتمام جمال قد شغل حيزا كبيرا من وجدانها ودواخل نفسها.

اعتادت رجليها على دكان جمال، بين نسخ ومشتريات أخرى كانت تقتنيها من بقال الحي.. وهي تنتظر على أحر من الجمر، أن ينطق أبو الهول ويبشرها بالخبر .

وجمال مستمتع جدا بالتردد المتزايد لسلمى على الدكان، واستمر في جرعات الاهتمام والنظرات وأيضا رفع المعنويات.

كلاهما كتوم بطبعه لكن عرفا عن بعضهما أمورا في اللقاءات العابرة بين موضوع مشترك وسؤال ومعلومة ...

كل واحد فيهما تعامل مع المعطيات بطريقته.

حقق جمال هدفه بجلب اهتمامها، ولم يعد يقنع بذلك، فهي رغم أنها متعلقة به، إلا أنها لا تظهر شيئا، سوى تردد على الدكان.

كان يود رؤية نظرة مختلفة من عينيها اللتان لا ترفعهما إلا نادرا. أو كلمة تؤكد له أنه وصل لهدفه، كلمة مثل أحبك ولا أطيق بعدك كالتي سمعها من بعض فتيات حارته بشكل مباشر..

كان ينتظر الاستسلام الفعلي لأسلحته، لكن سلمى كانت قوية رغم ذلك، فمثلا إن سلم لها باقي النقود، لم تمد يدها، كان يتمنى أن يلمس يدها ولو مرة، لكنها كانت لا تسلم على الرجال وحين يسلم لها الباقي فإنها لا تمد يدها فيضعه فوق الطاولة التي تحول بينهما.

هي كانت تشتاق للزواج، أما هو فكان متعلقا وكفى، يكفيه أن يراها ويتأكد أنها مهتمة، ويفرغ جيوبها كما يفرغ جيوب الكثيرات اللاتي يرتدن الدكان لمعاملته الجميلة وابتسامته وخفة دمه ورقي تعامله.

لكن سلمى تعاملت مع المعطيات بشكل مختلف تماما،

تقبلت كل ما عرفته عنه رغم أنه مخالف للمواصفات التي وضعتها لشريك حياتها فلا تقوى الله موجودة ولا أفكار متقاربة ولا أهداف مشتركة والنظرة للحياة جد محدودة.

لكنها كانت تعزي نفسها أنها تستطيع تغييره وأن لكل شيء حل، لم تكن تعلم حينها أن محاولة تغيير الآخر عذاب وحيرة.

كانت تتوق للشعور بالأمان، بالاهتمام ، بالحب، بالتقدير ولكن في حلال الله.

لكن لا شيء، تمر الأيام والعمر ينفلت من بين يديها ولا جديد.

الحيرة تقتلها، وفرح لا تجد بما تجيبها. وجمال بذكائه يشدها.

تفاقم وضعها، تعلق بدون أية ردة فعل من جمال. وكلما سكت كلما اتقدت نار الحيرة في قلبها.

مرت سنة كاملة، رسبت سلمى لأول مرة في حياتها.

ابتعدت في الأجازة الصيفية لتعيد حساباتها، كانت كالمدمنة على الدكان، وفرح تؤكد لها عن حسن نية في كل مرة أن نظرات جمال وتعامله ليس عاديا، وأنه ابن ناس ولا يمكن أن يكون تلاعب منه بمشاعرها.

طفح الكيل وقررت سلمى فتق الرمانة بأي طريقة وانطلقت لحل هذا الموضوع الذي أخذ من عمرها الكثير من الوقت والمال والفكر وتعب القلب وإهمال المستقبل..

يتبع بإذن الله

بقلم: نزهة الفلاح