عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2013, 01:35 PM
المشاركة 14
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تفسير القرآن بالقرآن
لماذا يجب تفسير القرآن بالقرآن ؟ استُدلّ لهذه النظرية بدليلين :
الدليل الأوّل : لكي يتّضح هذا الدليل لابدّ من الإشارة إلى عدّة مقدّمات :
الأولى : إنّ القرآن الكريم كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنّه معجزة النبي ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) الخالدة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
قال تعالى : ( وَإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ) ( فصّلت : 41 - 42) والباطل نقيض الحقّ كما يقول الراغب في ( المفردات ) .
وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه ؛ قال تعالى : ( ذَلِكَ بـِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ) ( الحجّ : 62 ) .
قال الرازي في ذيل قوله : ( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) وفيه وجوه :
لا تكذّبه الكتب المتقدّمة كالتوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذّبه .
ما حكم القرآن بكونه حقّاً لا يصير باطلاً ، وما حكم بكونه باطلاً لا يصير حقّاً .
معناه أنّه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه ، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ،
والدليل عليه قوله تعالى : ( وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر : 9 ) فعلى هذا فإنَّ الباطلَ هو الزيادة والنقصان .
يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضاً له ولم يوجد فيما تقدّم كتاب يصلح جعله معارضاً له .
وقال الزمخشري : ( هذا مثل كأنّ الباطل لا يتطرّق إليه ولا يجد إليه سبيلاً من جهة من الجهات حتّى يصل إليه ويتعلّق به ) .
أمّا قوله تعالى في ذيل الآية : ( تنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد ) فهو الدليل على عدم وصول الباطل ـ بأيّ طريقٍ ـ إلى القرآن . فالباطل قد يسري إلى الكلام الذي يصدر من الأفراد ذوي العلم المحدود والقدرات النسبية ،
أمّا الذي يتّصف بالعلم المطلق والحكمة المطلقة ويجمع كلّ الصفات الكمالية التي تجعله أهلاً للحمد ، فلا يطرأ على كلامه البطلان ، ولا ينسخ أو ينقض أو تمتدّ إليه يد التحريف .
ولا يتناقض كلامه مع الكتب السماوية والحقائق السابقة ، ولا يعارض بالمكتشفات العلمية الراهنة أو تلك التي يكشفها المستقبل .
والحاصل فإنّ الآية واضحة الدلالة على نفي التحريف عن القرآن ، سواء من جهة الزيادة أو النقصان ، وهذا ما اتّفقت عليه كلمة المحقّقين من علماء المسلمين .
الثانية : إنّه لا يوجد بين مضامين القرآن الكريم أيّ اختلاف أصلاً . لقوله تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) ( النساء : 82 ) . وهذا قياس استثنائي مؤدّاه : لو كان القرآن من عند غير الله لوُجد فيه اختلاف كثير ، وحيث لا يوجد فيه ذلك ، فهو من عند الله سبحانه .
وجه الملازمة بين المقدّم والتالي أنّ غيره تعالى من الموجودات الواقعة في هذا النشأة ، كلّها قائمة على أساس التحرّك والتكامل ، وهذا قانون عام يجري في الإنسان أيضاً ،
فلا ترى واحداً من هذه الموجودات يبقى آنَينِ متواليَينِ على حال واحد ، بل لا يزال يختلف من حال إلى حال .
أمّا دليل بطلان التالي وهو عدم وجود الاختلاف فيه فهو مستبطن في المقدّمة الأولى ؛ إذ لو وجد الاختلاف لكان متضمّناً للباطل ، والمفروض أنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
والحاصل المستفاد من هذه الآية المباركة أمور :
1. إنّ القرآن ممّا يناله الفهم العادي . فلو لم يكن كذلك لما أمر سبحانه وتعالى الناس بالتدبّر والتأمّل فيه لمعرفة الحقّ ،
وإنّ التأمّل فيه يهدي صاحبه إلى كون القرآن من عند الله تعالى العليم بمصالح عباده الذي يهديهم بما يصلح أمرهم .
2. إنّ القرآن الكريم كامل مكمّل من جميع الجهات ، لا يقبل الاختلاف ولا التغيير ولا التحوّل والنسخ ولا الإبطال ولا التهذيب ولا التكميل ، فلا حاكم عليه أبداً ؛
لأنّ ذلك كلّه من شؤون الاختلاف. فإذا كان منفيّاً عنه بالكلّية ، فلا يقبل القرآن أيّاً منها ، ولازم ذلك أنّ الشريعة الإسلامية مستمرّة إلى يوم القيامة .
3. إنّ هذا الكتاب لمّا كان كاملاً من كلّ جهة ، لابدّ أن يكون نازلاً من عند الكامل المستجمع لجميع صفات الكمال الذي لا يُتصوّر النقص فيه أبداً ، وليس هو إلاّ الله سبحانه ،
لأنّ غيره تعالى سواء كان إنساناً أو ملكاً أو أيّ مخلوق آخر ، قرين النقص والاختلاف ، فلا يمكن أن يصدر منه ما ليس فيه اختلاف ، وإنّ الكمال مهما بلغ من الشأن في المخلوق فهو محدود ،
والقرآن بعجائبه وغرائبه غير محدود ، فهو المعجزة الخالدة ، لذا عبّر عنه سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله بقوله : ( لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ) .
الثالثة : مضافاً إلى ما ثبت من أنّ القرآن كتاب لا يأتيه الباطل وأنّه لم يقع فيه الاختلاف ، هناك خصوصية ثالثة وهي أنّ آياته متشابهة ، والتشابه هو توافق أشياء مختلفة واتّحادها في بعض الأوصاف والكيفيات ،
وقد وصف الله سبحانه جميع القرآن بهذا الوصف حيث قال : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابـِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) ( الزمر : 23 )
والمراد كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم ، وإتقان الأسلوب ، وبيان الحقائق والحكم ، والهداية إلى صريح الحقّ ، كما تدلّ عليه القيود المأخوذة في الآية .
وهذا غير التشابه الذي في المتشابه المقابل للمحكم ، فإنّه صفة بعض آيات الكتاب وهذا صفة للجميع .
وقوله سبحانهُ : ( مثاني ) جمع مثنية بمعنى المعطوف ؛ لانعطاف بعض آياته على بعض ورجوعه إليه بتبيين بعضها وتفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها بحيث يدفع بعضه بعضاً ويناقضه .
قال الرازي في ذيل هذه الآية: ( إنّ كلّ ما فيه من الآيات والبيانات فإنّه يقوّي بعضها بعضاً ويؤكّد بعضها بعضاً ) .
ممّا تقدّم اتّضح أنّ القرآن كتاب :
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لا اختلاف بين مضامينه أبداً.
● متشابه مثاني.
وكتاب له مثل هذه الخصوصيات لا يمكن إلاّ أن يكون مفسِّراً لنفسه ومبيّناً لمعارفه دون حاجة إلى الغير ، إذ لو احتاج إلى الغير للزم أن لا يكون التدبّر فيه موصلاً إلى أنّ هذا الكتاب منه تعالى .
وهذا خلاف ما دلّ عليه قوله : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، ولزم أن لا يكون القرآن أحسن الحديث يهدي به الله من يشاء من عباده إلاّ بمعونة الغير ،
والمفروض أنّه هو الدليل على صحّة نبوّة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله .
الدليل الثاني
إنّ القرآن وصف نفسه بأنّه نور وأنّه هدىً وأنّه تبيان ، فكيف يتصوّر كتاب له مثل هذه الأوصاف مفتقراً إلى هادٍ غيره ومستنيراً بنور غيره ومبيَّناً بأمر غيره ؟
إنّ الطريق لفهم القرآن يمرّ من خلال منهجين :
أحدهما : أن نبحث بحثاً علمياً أو فلسفياً أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرّض لها الآية حتّى نقف على الحقّ في المسألة
ثمّ نأتي بالآية ونحملها عليه . وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري ، غير أنّ القرآن لا يرتضيها .
ثانيهما : أن نفسّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في القرآن نفسه ، ونشخّص المصاديق ونتعرّفها بالخواصّ التي تعطيها الآيات كما قال تعالى :
( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء ) ( النحل : 89 ) . وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ،
وقال تعالى : ( هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ( البقرة : 185 )
وقال تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبـِينٌ ) ( المائدة : 15 )
وكيف يكون القرآن هدى وتبياناً وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج !
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) ( العنكبوت : 69 ) وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه ! وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن ! .
إقتباس بتصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
1 - 11 - 2013

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي