الموضوع
:
إصرار امرأة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
10
المشاهدات
5150
ياسر علي
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 3
المشاركات
1,595
+
التقييم
0.35
تاريخ التسجيل
Dec 2012
الاقامة
رقم العضوية
11770
10-30-2013, 06:59 PM
المشاركة
1
10-30-2013, 06:59 PM
المشاركة
1
Tweet
إصرار امرأة
سمعت صفيرا حادا في أذنيها ، خطوات تدنو شيئا فشيئا ، جاءها ليطمئن على استعدادها ، رأته دون أن تفتح عينيها الذابلتين اللتين ما عادتا تميزان بين ليل ونهار ، أحست به يغادر بعد أن رش جسدها بقشعريرة خوف ، دق خلالها قلبها آخر نواقيس الإنذار .
كانت منذ احتضنها المكان تبكي وحشتها ، يطلق لسانها الشتائم بعدد نجوم السماء ، تملأ وقار الدار عويلا يثير سعال المسنين ، يتمتمون كلمات تمتزج فيها الشفقة و الرحمة باللوم ، قبل أسبوع زارها هذا الزائر الليلي ، رأت في عينيه شرارة أسكتت فيها النواح ، فخلد لسانها للصمت كما عيناها اللتان أطفأهما البكاء .
منذ رحيله أحست انتعاشا يسري بدنها ، و روحا مرحة تغمر نفسيتها الخاملة ، قامت من مرقدها و توجهت نحو الباب تجر مقبضه ، انتفضت الخادمة من غفوتها وأدارت المفتاح ، رأت هيئتها فأغلقت عينيها وهي تهمس : " أصبح الصباح على الفل والياسمين لا على عجوز شمطاء ، وجه نحس وملامح شر " نهرتها و أمرتها بالعودة إلى فراشها حتى يرسم نور الصباح معالم الكون و تستيقظ العصافير ، لكن العجوز واصلت مشيتها غير آبهة بما تقوله الخادمة .
تلطفت خياشيمها بنسمات الصباح الندية ، في الحديقة جلست على أحد المقاعد ويدها تعبت بالحشائش ، وقطرات الندى تبلل قدميها الحافيتين ، تستر جسمها منامة بثوبها الخفيف الذي تخترقه لسعات البرد معمقة تجاعيد جسدها الواهن .
سمعت قدميها تلتطمان بالأرض فقالت : " لا أريد العودة إلى سريري ، فروحي هناك ستزهق "
جلست بجوارها وناولتها كأسا : " خذي دواءك " فردت عليها بهمهمة : " الدواء ..الدواء ... " واصلت بصوت تحمل نبرته حزما و قوة كأنها تعافت بالكامل من كل أقراحها : " منذ أمد بعيد وأنا أعيش بكل أمل في الحياة ، أسيطر على كل شيء فيها ، أمتلك ما تشتهيه نفسي طوعا أو كرها ، مجرد وقفتي كانت تزلزل الكائنات ، إن قلت سمع الجميع ، إن طلبت لبيت طلباتي من أمي وأبى و اخوتي فزوجي وأبنائي وبعض من أحفادي ، لا أعدم من الحيل ما ألوي به أعناقا كانت تواقة للعصيان ، فأمرغ أنوفا تأبى الخضوع ، كم شخصا فقد رفعته في جولاتي ، كم فارسا ذل في صولاتي ، كم تافهة تألمت وهي ترجو رحمتي .
أفرغت ما بجوفها من هواء ساخن كاد يخنق أنفاسها فتابعت " لا أبوح يوما فالبوح ضعف و من تخطت أسراره أسوار قلبه فهو لا يستحق المجد ، لا أعترف فالاعتراف من شيم العبيد . كم أزدري رجالا لينوا صلابتهم وتلطفت ملامحهم و كسروا عزتهم و لبسوا ثوب الاعتراف ، لا أعتذر فتلك مهانة لشخصي فمن يكون ذلكم الذي يستحق الاعتذار . "
ضربت الأرض بعكازتها ونبهت جليستها : " إياك أن تظني كلامي نوعا من البوح ، أو صنفا من الاعتراف ، أو اعتذارا عن أفعالي ، إن كنت تعتقدين ذلك فكلامي موجه لشخص لا يستحقه ، قد تتساءلين لم هذه العجوز تملأ الدار بكاء وصياحا ، فما أردت في ذلك غير إزعاجكم ، والإعلان عن وجودي ، و البلوغ بيأسي مبلغه ، و أنهك نفسي لعلها تغادر هذا الجسد اللعين ، الذي استسلم "
سكتت لحظة ثم أردفت : " أراك قوية بعض الشيء ، ولكن ما وجدت بعد امرأة أطمئن إلى قوتها ، حتى حفيدتي التي جردتني من كل ما أملك ، لا أراها قوية بما يكفي ، فأنا لا أتوانى في إزاحة الأذى عن طريقي . ولا أترك له فرصة ليعكر مزاجي . هل أضاء الصباح ؟"
فردت الخادمة : " طبعا بدأ النور يكتسح الظلام ، يجب أن تعودي إلى مخدعك فيجب علي أن أرعى الآخرين "
فأجابتها العجوز : " طبعا سأعود لأشرب هذه الكأس الملعونة ، لكن قبل ذلك أريد أن أهاتف حفيدتي ، هلا قدمت لي هذه الخدمة "
جلست على المكتب و أخذت الهاتف من يد الخادمة التي ذهبت لتلقي نظرة على النزلاء ، سمعت صوت حفيدتها مثقلا بالنوم فقالت : " أيتها الأميرة التعيسة ، متى كان النوم قرين القوة ، أحضري الطبيب يا صبية ، فجدتك يتم تسميمها ، إن لم تكن هذه رغبتك ! "
وضعت السماعة على الهاتف ، واتجهت إلى غرفتها والعكازة تتقدمها ، فوجدت الخادمة عند الباب ، فقالت لها : " أين كأسي ؟"
أفرغت المشروب في جوفها ، فنامت نوما هنيئا .
رد مع الإقتباس