عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2013, 10:21 AM
المشاركة 12
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هدف وغاية خلق الإنسان
من الحقائق التي عرض لها القرآن الكريم أن الإنسان لم يخلق سدىً لاهدف له ولا غاية ، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) المؤمنون 115
وقال : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) العلق 8 وقال : ( يَا أَيُّهَا الاِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) الإنشقاق 6.
فلقاء الله والرجوع إليه هو الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان . الآيات لإثبات هذه الحقيقة كثيرة . قال تعالى :
( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ) الكهف 110
وقال أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يونس 8 .
تأسيساً على ذلك يطرح هذا التساؤل : كيف يمكن للإنسان أن يحقّق هذا الهدف ، وما هو الطريق الموصل إلى لقاء الله سبحانه وتعالى ؟
في مقام الإجابة نقول : إنّ الإنسان خُلق في نشأة الابتلاء والامتحان ; قال تعالى : ( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الملك 2،
فكلّ شيء في هذه النشأة لأجل امتحان الإنسان . من هنا وضعه الله تعالى على مفترق الطريق ليختار لنفسه الاتجاه الذي يريد ، قال تعالى :
( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ] الإنسان 3 وقال تعالى : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف 29 .
فإذا استطاع الإنسان أن يقف على الطريق الذي يوصله إلى الهدف الذي خلق من أجله فهو المهتدي ، وإلاّ فيكون من الضالّين .
وانطلاقاً من هذه الحقيقة ، يدعو الإنسان ربّه مرّات عديدة في صلواته اليومية ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الفاتحة 6 , لأنّ أفضل الطرق وأحسنها وأقصرها للوصول إلى الهدف هو الصراط المستقيم ،
وإذا لم يوفّق الإنسان لسلوك هذا الطريق فهو ضال لا محالة ، ولا تزيده سرعة المشي في غير الصراط المستقيم إلاّ بعداً عن الهدف .
إذن فما هو الصراط المستقيم الذي يجب على السائر أن يسلكه للوصول إلى قرب الله ولقائه ؟
لقد بيّن القران الكريم ذلك بقوله تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران 31
وكذلك قوله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب 21 .
ومن الواضح أنّ الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم خاتم الأنبياء والمرسلين هم من الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم ، قال تعالى :
( كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ *
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَع َوَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِراط مستَقِيم * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) . الأنعام 84 - 88
على هذا يكون الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى هو إتباع الخاتم ( صلّى الله عليه وآله ) . ولا يتحقّق هذا الإتباع إلاّ بالأخذ بكل ما جاءنا عنه ( صلّى الله عليه وآله ) قال تعالى :
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر 7 وما ذلك إلاّ لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم 3 .
فالذي ينجي الإنسان من الضلالة ويهديه الصراط المستقيم هو معرفة الله والرسول . ثمّ إنّ القرآن بيّن لنا حقيقة أخرى فيما يرتبط بالإنسان حيث قال :
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) التين 4 - 5 . فالإنسان وهو في نشأة الدنيا يعيش في أسفل السافلين ،
فعليه بعد أن تبيّن له الهدف والطريق أن يصعد من الأسفل إلى الأعلى ; ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر 10
وليس هذا الصعود مكانياً بل هو معنوي ، ذلك أنَّ الارتفاع والصعود إلى الأعلى تارة يكون مكانياً كما لو صعد الإنسان على مرتفع من الأرض مثلاً ،
وأخرى يكون معنوياً كما في قوله تعالى في حق إدريس ( عليه السلام ) : ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) مريم 57
إذ ليس المراد هو الارتفاع المكاني ، بل ارتفاع مكانته عند الله تعالى . من هنا نجد أنّ القرآن الكريم والروايات الواردة عن النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) ذكرت أنّ هذا الصعود إليه تعالى يحتاج إلى حبل .
قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103.
بعد أن تبيّن أنّ الإنسان مسافر إلى الله تعالى ، وكادح كدحاً للوصول إليه والقرب منه واللقاء به ، وأنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ من خلال إتباع القرآن .
أشار القرآن إلى زاد هذا السفر الإلهي ، حيث قال : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) البقرة 127 .
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
( أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاذ ، زادُ مبْلِغ ، ومعاذ منجح ، دعا إليها أسمع داع ، ووعاها خير واع ، فأسمع واعيها ، وفاز داعيها ) .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن خير مطية يمتطيها الإنسان لكي يصل إلى هدفه هو قيام الليل . قال تعالى :
( وَمِنَ اللَيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ عَسَى أَن يَبْعَثكَ رَبُّكَ مَقَامًا محْمُودًا ) الإسراء 79 ، وقال تعالى : ( قُمِ اللَيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً .* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) المزمِّل 2 - 4 .
فتحصّل إلى هنا أنّ أفضل مركوب يمتطيه الإنسان للسير إلى الله تعالى هو قيام الليل ، وأن أفضل الزاد هو التقوى ، وأن أفضل طريق هو الصراط المستقيم .
وبهذا يتضح دور التقوى في حياة الإنسان وموضعها في منظومة الشريعة الإسلامية، إذ كثيراً ما يقع الحث على التقوى من دون أن يتضح للسائر إلى الله موقع ذلك وموضعه في حياة الإنسان .
إقتباس وبتصرف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حميد
24 - 10 - 2012

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي