توضئ القلم وطأطأ رأسه المدبب خشوعا ومهابة من همس أفكاري المتزاحمة والمنسكبة عبر شرايين قلبي المتوقف رهبة وهيبة من الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام .
لقد حاول القمر أن يلفت انتباه الناس إليه بانفلاقه نصفين حينما كان بدرا - أي في قمّة تألّقه - لكنّه أنطفأ حينما بانت نواجذك فكيف إذا طلّ وجهك الشريف ؟ حتما سينير الكون !
عذرا رسول الله ، فمن حكم بالإسلام وساد وشعّ وجهه نورا وذاق حلاوة الإيمان وشرب حروف القراّن ليس كمن لم يحكم ولم يذق ولم يشرب ، شتّان بين الراعي والشاة ، فمن تحكمه عصا ليس كمن ساس العصا بحكمة .
الجزيرة العربية لم تسعك يا رسول الله ، وفاضت بك الأرض بما رحبت .
هل كان حقا ما سمعناه بأنك متّ وضمّ جسدك الطاهر أكناف المدينة المنوّرة وإلي جانبيك في روضة الأرض إيمان يرجح عن أمّة وعدل قد كسر بابه كسرا بعد موتك ؟
حنايا قلبي لا تصدّق أنّك متّ ، فأنا أسمعك تسلّم عليّ حينما أصلّي عليك في سرّي وفي جهري .
هل حقّا متّ في بلد الغربة بعيدا عن أهلك وديارك ومسقط رأسك - مكّة المكرّمة - حيث لا زال قلبك يخفق حنينا للبقعة المباركة فهي تضمّ الحبيبة ومن آزرك في محنتك ، تضمّ خديجة وأبو طالب ؟
لا زال عام الحزن يرخي سدوله علينا ، حتّى الكعبة الشريفة لبست الثوب الأسود حزنا على فراقك .
لا زالت العصبة المرابطة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ينتظرونك لتفكّ أسرهم وأسر بيت المقدس ليتجوّلوا في سرادقه ويصلّوا في باحاته الممزقة .
يا رسول الله ، لقد تبدّل الحال ، وتوالت المحن والمصائب ، و رأينا المعجزات والعجائب .
يا رسول الله ، قبل قليل كنت في مجلس ساده الرويبضة وجُهّل العالِم و رجم بجهل العامّة .
يا رسول الله ، الآن مرّت من أمامي عصبة من النساء الكاسيات العاريات بصحبة ثلّة من أصحاب أذناب البقر وعلت الضحكات .
يا رسول الله ، لقد ضيّعت الأمانة ، وشاع الربا ، وأنتشر الزنا على أنغام المعازف والقيان وقرع الكؤوس .
يا رسول الله ، لقد ظهرت العمائم السود ، وركبوا خيولهم واصطحبوا زينبيّاتهم وقرعوا طبول الحرب على سنّتك الشريفة .
عذرا يا رسول الله ، فقد نقضت عرى الإسلام عروة عروة ، ودخلت الفتنة كل بيت ورققت بعضها بعضا !
عذرا يا رسول الله ، فقد إمتلئت الدنيا ظلما وجورا .
يا رسول الله ، سأقبض على الجمر وأسير خلف خطاك فلن تضيّعني .
اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه أجمعين
عدد خلقك وزنة عرشك ومداد كلماتك ورضا نفسك
م ن