عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
4350
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,768

+التقييم
2.38

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
10-08-2013, 05:36 PM
المشاركة 1
10-08-2013, 05:36 PM
المشاركة 1
افتراضي الخرسانة’ للنّمساوي توماس برنهارد: مراقبة ذوبان الضّمير
الخرسانة’ للنّمساوي توماس برنهارد: مراقبة ذوبان الضّمير
october 7, 2013


غرناطة ـ من محمد محمد الخطابي: في خضمّ الكمّ الهائل من الترجمات التي نقلت إلى اللغة الاسبانية مؤخّرا في فترات زمانية متفاوتة ، حيث صدرت عدّة كتب في مختلف المجالات الأدبية والإبداعية ،إستوقفتني منها على وجه الخصوص رواية للكاتب النمساوي الرّاحل ‘توماسبرنهارد’ وهي تحت عنوان: ‘الأسمنت’ أو ‘الخرسانة’.
شخصيّات من معطف كافكا
شخصيّات رواية ‘الخرسانة’، أو ‘الإسمنت’، أو ‘الملاط’ لتوماس برنهارد’ قد إلتقت معه في مصيره بالمعنى المزدوج للكلمة، أيّ أنّه كما يحدث في الرواية ، فقد أوفى بوعده مع هذا المصير المحتوم فمات بالفعل، ذلك هو المعنى الجليّ في هذه الرّواية.
إنّ العالم بالنسبة لهذا الكاتب حافل بالعنف واللاّمعقول. وكما هو الشأن مع ‘فرانز كافكا’ و’وروبر والسر’، فإنّ البطل في عزلته في نهاية المطاف يجد نفسه بمفرده أمام فشله، إنّ الحمق أو المرض كانا نقطة إنطلاقه، إلاّ أنّ ذلك كان يسبّب له آلاما مبرحة وإستمرارا لمعاناته، إنّ شخصيات ‘برنهارد’ في المرحلة الأولى من أعماله كانت تجد النجاة نظرا لميلها وإزورارها للفضول، واكتشاف حقائق العالم المحيط بها، سواء كانت شخصيّات حمقى أو مرضى، إلاّ أنّها شخصيات كانت تحاول بإستمرار البحث والإستفادة، أيّ كان دأبها المعرفة. وعلى الرّغم من عدم إمكانها تحقيق ما تتوق إليه، فإنّها كانت تنقذ. بل إنّها بهذا الفشل إنّما كانت تبحث عن منفذ لجلدها .والميزة التي تجمعها هي العزلة التي من جرائها كانت تتولّد الإستفادة لديها. إنّ شخصيات هذه الرواية تراجيدية المنزع، لأنّها كانت تتصارع فيما بينها، وبين القوى المتناقضة، مثل ما هوعليه الشأن لدى الأبطال الكلاسيكييّن. فالخلاف بين هذه الشخصيات، وهؤلاء الأبطال هو عدم إحرازها على أيّ انتصار.
إنّ ‘برنهارد’ إنّما يتبّع في ذلك تقليدا لدى ‘كافكا’ ولدى ‘روبر والسر’. هذا التقليد كان قد أعطى بعدا جديدا للطبيعة الإنسانية في العالم المعاصر. ويتمثّل هذا البعد في علاقة الإنسان بمنتوجاته، في هذه الحالة يصبح الفنّ والأدب لديه في نفس مستوى تقنية زراعية مّا، السؤال إذن هو كيف نقيم علاقاتنا مع الأشياء ..؟ بأيّ وسيلة أقيم علاقتي مع ما أعتقد أنه لي وملكي..؟
وفي محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، فإنّ الأفراد يكتشفون الغموض المطلق، حيث يتحرّك كلّ ما هو ليس أنا حتّى ولو كان هذا الشيء لي وملكي. إنّ الإجابة (للخارج) تتمثّل في أنّه مع الأشياء لا يستطيع المرء فعل أيّ شئ، أمّا الإجابة الموجّهة (للداخل) فتتمثّل في الموافقة حسب ما يرتاح له ضمير المتكلّم.
إنّ’ برنهارد’ بناء على ما سبق – كان يرسم الخطوط العريضة لروايته على أساس تقليدي، وإن كان في النهاية قد عبّأها وشحنها بطاقات تعبيرية هائلة حتى إنتهى به الأمر في الذّوبان في عمله.وكان وكأنهّ بذلك يبدع أدبا جديدا.
ذوبان الضمير
إن موضوع رواية ‘الخرسانة’ لتومس برنهارد ليس هو في الأساس ‘ذوبان الضمير’ أو تهريمه أيّ جعله هرما عتيّا. ذلك أنّ الضمير بالنسبة ‘لكافكا’ و’والسر’ يسيل وينثال بين أناملهما، في حين يلجأ ‘برنهارد’ إلى البحث عن علاقة تقود الى الفساد والزّوال. أيّ أنه يراقب عن كثب كلّ حركة في اتّجاه الموت أو الزّوال .فبالنسبة للأوّلين (كافكا ووالسر) فإنّ الضمير ما زال يقود الى الفن، أمّا بالنسبة للكاتب النمساوي، فإنّ الضّمير يسهم في حفر قبره.
إنّ ‘الخرسانة’ مثل عمله الآخر ‘طالا’ إنّما هي بالنسبة للكاتب تعرية وظيفة مشروع الأدب، أيّ تجريد الحقيقة من كلّ رأسمالها. ‘الخرسانة’ رواية مغلقة لدرجة أنّ الكاتب يجعل من الصّعوبة علينا التفكير في عمل لاحق له يلقي الأضواء على العمل السابق، في هذه الرّواية لا يمكن أن يطرأ تغيير على وجهة النظر المعبّر عنها فلا إمتداد للرّؤية القصصيّة، ولا للرّواية إلاّ بموته.
إنّنا نجد في الرّواية كلمة تطفو على سطح الحديث والأحداث، ‘فالبطل مدفوع بالقرف أكثر من الفضول’. ويتّضح هذا الإتجاه على إمتداد الصّفحات الرّهيبة للرّواية. هذا الرّعب مصحوب بشعورالموت غير المعلن عنه بواسطة القلق أو الكتابة أو الشقاء، بل بواسطة السّخرية كذلك. إنّ النجاة كانت تدرك في الأعمال التاريخية ، وكان يرجع الفضل في ذلك إلى طاقة المعرفة، والفضول لدى الأبطال. هذه الطاقة تتلاشى في رواية ‘برنهارد’.
إنّ القرف الذي يتحدّث عنه الكاتب بدون أيّ حرج جوهري، أو تبجّح أسلوبي إنّما هو إنعكاس لما هو قائم في بلده النّمسا في مجالات الثقافة، والفن، والإبداع، فضلا عن الرّياء الإنساني، والايديولوجيات المزيّفة. إنّ الكاتب يقهقه أمام ذلك كلّه ويقول لنا وداعا..!.