عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2013, 07:49 PM
المشاركة 34
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

نواصل الحديث و نشرح قولة محمود محمد طه حول الموسيقى:
( و هي في حقيقتها القديمة ، ذلك اللحن العلوي..)
فالسماع أي الغناء بشكل عام هو من صميم يقين التصوف قديما و حديثا،حتى أن أحد المتصوفة كتب عبارة غنتها أم كلثوم و شاعت على ألسنة الناس و هم لا يقدرون خطرها: ( غني لي شوية شوية، المغنى حياة الروح)
جاء فيها:
( المغنى حياة الروح يسمعها العليل تشفيه
وتداوي كبد مجروح تحتار الأطبّا فيه
إلي يقول محمود بيرم التونسي:
والإنسي يقول للجني والرايح يقول للجي
المغنى حياة الروح ...)

و عبارة (المغنى حياة الروح) أخذها بيرم من مشائخه المتصوفة فقد ورد عنهم:
(و أمَّا سماع الصوت الحَسن و النغمة الطيبة فهو حظ الروح ...)(1)


و يوضح البوطي سر هذا التمجيد للموسيقى و الغناء فيقول مؤكدا ذلك السر :
( ... إن الحديث آنذاك كان مع الأرواح ..... و ما من إنسان يخترق حواجز الحجب التي رانت مع الأيام على نفسه ، و ساءل روحه عن ذلك العهد القديم ، إلا و بعثت فيه شجوا مع آثار تلك الذكرى ،.... إنها فطرة ربانية تلك التي تجعل الروح تتعشق الجمال سواء في أشكاله المرئية أو أصواته المسموعة، و إنما هو فيض من جمال الله عز وجل أدركته يوم كانت تسبح في عالمها العلوي القديم ، و طربت له يوم اتجه إليها بخطابها الحلو الآخاذ: ((ألست بربكم)) ... فما تكاد تبصر صورة من صور الجمال الأرضي البشري ، حتى يذهب بك الخيال إلي أن الجمال الذي تتعشقه روحك هو هذه الصورة ، و ما تكاد تسمع لحناً رائعاً ينبعث من صوت شجي أو أوتار عود أو نفثات ناي ، حتى يؤكد لك الوهم أن هذا هو الصوت الذي تستعذبه و تسكن إليه روحك.
و لو تأملت و تحررت من سلطان غرائزك و شهواتك الأرضية ساعة، لعلمت أن الصور التي استهوتك إنما هي مرآة تجليّ عليها أثر من آثار الجمال الرباني الذي تعشقته الروح ، و لأدركت أن الأصوات الجميلة التي أطربتك إنما هي صدى لحديث الرب إلي الروح ،يوم تفضل عليها فأسمعها كلامه و أطربها بخطابه و جميل نجواه ، و إنما مصدر طرب الروح ،اليوم، ذلك الخطاب المطرب القديم ، لا هذا الصدى الذي يذكر به و يحمل بصمات منه...) (2)


ويقول محمود محمد طه :

( .... فنحن إنما نتخذ بالإنشاد ، اللحن وسيلة إلى نقل المعنى، مخاطبين العاطفة ، متسامين بها إلي مراقي الفكر...)(3)

إذن فالصوفية يرون أن الموسيقى و الصوت الجميل و الصورة الجميل و الانفعال بها و التفاعل معها ليس إلا صدى من ذلك الخطاب الإلهي و تجلي من تجليات جمال الله أي هي من ذات الله، و لو توهمت أنها غير ذلك ، تعالى الله علواً كبيراً عن هذا الإفك المبين!


بقي _ أحبتي! _ أن نعرج على شاهد يثبت تخبط هذا الهالك _ عامله الله بما ستحق _ فهو هنا يؤكد على قدسية الموسيقى و أنها من قبل الله ، يأتي في موضع آخر من كتاب آخر ليقول:
( و يرى بعض المستمعين لإنشادنا أن ندخل عليه الآلات الموسيقية مصاحبة له ، و هو رأي مقدر عندنا ، و مشكور ... غير أننا نقصد أن نبرئ الإنشاد في هذه المرحلة ، من كل ما يخرج به عن أداء رسالته الأساسية، إلي مجالات أقل من هذا المستوى ، مهما كانت أهميتها . و الموسيقى قد عرفت في مجالات الغناء كوسيلة مثل الغناء للهو و تزجية وقت الفراغ .. و الغفلة بها عن الله أكبر من الحضرة ...)(4)

_____
(1)
موسوعة التصوف الإسلامي،د.رفيق العجم،مكتبة لبنان ناشرون،ط:1999، ص :525.

(2)الحكم العطائية شرح و تحليل، محمد سعيد رمضان البوطي ، دار الفكر،الطبعة الخامسة 1431-2010 ، ص: 421-423.
(3) ألحان و معاني الإنشاد العرفاني يمهدان للبعث الديني، محمود محمد طه، ص9.
(4) المصدر السابق، ص 16-17

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا