عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-2013, 12:43 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محاكمة ساحرات سالم

الحلقة الثانية

ترجمة ريم بدر الدين بزال


السحر في انكلترا الجديدة


فقدت أربع و عشرين امرأة حياتها في هستيريا السحر التي اجتاحت مدينة سالم..لماذا سمح مجتمع سالم لهذه المأساة بالحصول ؟ هل كان للخوف و الخرافة الدور الأكبر في هذه المأساة أم أن عوامل أخرى كانت السبب وراء هذا؟
وقعت هذه الأحداث في عام 1692 خلال فترة اضطرابات حرجة في قرية سالم و التي تعتبر جزءا من مقاطعة ماساشوستس و التي تتبع حينذاك للحكم البريطاني. و كانت المقاطعة تنتظر قدوم الحاكم الجديد و ليس هناك جهة تطبق القانون عندما حدثت جائحة هستيريا السحر. و لدى وصل الحاكم ويليام فيبس للولاية كانت المشانق قد امتلأت بالساحرات وما زاد الأمر سوءا هو التمرد الذي قادته مجموعات من الأمريكيين و الكنديين الأصليين ضد المستوطنات الانجليزية الجديدة.


واجهت قرية سالم الكثير من التحديات من أجل البقاء فكان على الأسر أن تقوم بتأمين احتياجاتها بنفسها كحياكة الملابس و زراعة الخضار و تربية الماشية و لم تكن أعمال الزراعة سوى جحيما متواصلا في ظل الطقس السيئ و الأرض الصخرية العسيرة على الزراعة و كان الجفاف أو الفيضان يتولى إفساد حصيلة عمل عام بأكمله.ناهيك عن أن جائحة الجدري قد تقتل عائلة كاملة و لهذت السبب لن يكون مستغربا أن يعتقد الناس في المستوطنة أن الشيطان يترصد وراء كل مصيبة و أن الأرواح الشريرة تتجول بينهم بحرية.
و لكن كانت هناك عوامل أخرى وراء اصطياد الساحرات و هو نمط الحياة عند البيورتانيين أنفسهم و الإيمان المطلق بالشيطان و السحر و الانقسامات داخل المجتمع .
الدين و السحر
كانت الكنيسة هي الحجر الأساس في حياة القرن السابع عشر في انكلترا الجديدة ة كان معظم الناس في ماساشوستس من أتباع المذهب البيوريتاني و هم المستوطنين الذين نزحوا من انكلترا طلبا للتسامح الديني لكن في حقيقة الأمر كانت تعاليم البيوريتانية المتعصبة بعيدة جدا عن التسامح و كان مما يخرق القانون عدم حضور الكنيسة و كان الرجال و النساء يجلسون في طرفين متقابلين مفصولين أثناء الصلوات الطويلة. و كان نمط الحياة لديهم مستقيما و صارما بحيث كان على الناس أن يعملوا بشكل جدي و أن يكبتوا مشاعرهم و أفكارهم و كنوا يقمعون الفروقات الفردية ووصل بهم التعصب إلى درجة أن تفرض الكنيسة على النساء لباسا قاتما و كئيبا.
و بما أنهم كانوا يعيشون وفق نظام أخلاقي صارم ساد بينهم الاعتقاد بان كل الخطايا ابتداء من النوم في الكنيسة و انتهاء بالسرقة يجب أن تلقى العقوبة .و كانوا يعتقدون أن الرب سيعاقب على كل التصرفات الخاطئة فإذا عانى احد الجيران من أزمة ما كمرض أحد الأولاد أو فساد المحصول فلا بد أنها مشيئة الرب و لا يتوجب عليهم أن يساعدوه.
و اعتقد البيوريتانيون بوجود الشيطان كما يؤمنون بالله و كل إنسان يواجهه الصراع بين قوى الشر و الخير و لكن الشيطان يختار الأفراد الأضعف و هم النساء و الأطفال و المجانين ليجري عليهم غوايته. و من يتبعون الشيطان يعتبرون ساحرات في الوقت الذي كانت مزاولة السحر الأسود هي اكبر خطيئة قد يقترفها الإنسان و عقوبتها الموت.
و خضوعا للتعاليم البيوريتانية الصارمة كانت أول امرأة اتهمت بالسحر الأسود في سالم هي من طبقة المنبوذين اجتماعيا تيتوبا المستعبدة و سارة جود و هي متسولة بلا مأوى و سارة اوزبورن و هي امرأة كبيرة في السن و مريضة تزوجت من خادمها .
و كان الخوف من السحر الأسود في انكلترا الجديدة شائعا كما كان في أوروبا لعدة قرون و قد حوكمت أكثر من 100 ساحرة في انكلترا الجديدة ثم شنقن خلال القرن السابع عشر لوحده و لكن الإعدام الأخير في أميركا وقع في سالم علم 1692 .
نظام الطبقات الاجتماعية و الاقتصادية
كانت سالم في عام 1692 تقسم إلى قسمين رئيسيين بلدة سالم و قرية سالم. و قد اعتادوا أن يسموا قرية سالم بمزارع سالم و كانت في حقيقة الأمر جزءا من البلدة و لكنها استقلت بفعل اقتصادها و ترتيبها الاجتماعي و هويتها الثقافية . فقد كان سكان قرية سالم من المزارعين الفقراء الذين يحاولون زراعة محاصيلهم في تربة صخرية وعرة . بينما كانت بلدة سالم على العكس منها تحظى بالرخاء الاقتصادي و مركزا للتبادل التجاري مع لندن و معظم من يعيشون في البلدة كانوا من التجار الأثرياء. و لسنوات طويلة حاولت قرية سالم أن تستقل عن سلطة البلدة و كانت البلدة تعتمد على القرية في الحصول على الطعام من محاصيلها الزراعية التي تحدد البلدة أسعارها و تقوم بجباية الضرائب من القرية و بالرغم من المسافة الطويلة بين التجمعين حيث تمتد لمسافة 3 ساعات سيرا على الأقدام فإن قرية سالم لم تحصل على كنيستها الخاصة إلا في عام 1674 .
لكن هذا الفصل الاجتماعي امتد إلى قرية سالم نفسها بحيث كان الذين يقيمون بالقرب من ايسبويتش رود هم أقرب إلى الطبقة التجارية في البلدة و هم من الحدادين و النجارين و صانعي الحبر و هؤلاء أصبحوا أثرياء و دعموا التطورات الاقتصادية و لكن السواد الأعظم من سكان قرية سالم و هم المزارعين الذين يعيشون بعيدا كانوا يعتقدون أن التأثير الذي يجره مجتمع البلدة سوف يؤثر على قيمهم البيوريتانية .و كانت أكثر العائلات مقاومة للتغيير الاقتصادي هي أسرة بوتنامز و كانت عاملا قويا و مؤثرا خلف قضية محاكمة الساحرات.
ازدادت الأمور سوءا عندما اختارت قرية سالم الموقر صامويل باريس كاهنا للقرية و كان رجلا متعصبا للقيم البيوريتانية بحيث نبذ كل القيم الدنيوية و الرخاء الاقتصادي القادم من البلدة باعتبارها من تأثير الشيطان و قد استطاع بقدرته الخطابية إيجاد حزبين متنازعين في قرية سالم.
و مما لا شك فيه أن الحسد و الاستعلاء بين الحزبين المتنازعين لعب دورا مهما في محاكمة الساحرات فقد كان الذين اتهموا الساحرات هم من الفلاحين الذين يقيمون في مزارعهم البعيدة و القوا بالتهمة على الذين يقطنون بالقرب من ايسبويتش رود.
و لم يكن مستغربا أن الموقر باريس كان المؤجج الرسمي لمحاكمة الساحرات من خلال خطبه الوعظية التي أشعلت هستيريا السحر .