عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2013, 06:29 AM
المشاركة 11
احمد ابراهيم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأخوة المتداخلين .. تحية و سلام .. يبدو لى ان التحدى الذى يواجه العرب اليوم هو نصيبهم من التحدى الذى يواجه البشرية المعاصرة جمعاء .. و التحدى الذى يواجه البشرية هو ان موطنها الذى تعيش فيه اليوم ، قد انكمش و اصبح صغيرا ، بفضل الله ، ثم بفضل سرعة المواصلات و ثورة الاتصالات ، حتى لقد اصبح الناس ، كل الناس ، جيرانا بعضهم لبعض .. و اصبح مطلوبا اليهم ان يتعايشوا فى حسن خلق ، و حسن معاملة ، و سلام .. بإيجاز فان التحدى الذى يواجه البشرية اليوم ، هو ان الكوكب الذى نعيش فيه قد اكتملت له الوحدة المكانية ، و اصبح يتطلب من البشرية التى تعيش فيه ، ان تحقق الوحدة الفكرية بين أفرادها حتى يستطيعوا ان يعيشوا فى سلام ، مع اختلاف عقائدهم و لغاتهم و ألوانهم و عاداتهم .. فان هم عجزوا عن ذلك فسيكون مصيرهم مصير كل الأحياء الذين عجزوا عن ان يوائموا بين حياتهم و بيئتهم .. و قد جرت بذلك سنة الأولين . و المدنية الغربية الآلية أعلنت إفلاسها ، و وصلت إلى نهاية مقدرتها التطورية ، ثم هى عجزت عن استيعاب طاقة بشرية اليوم و تطلعها إلى تحقيق الاشتراكية و الديمقراطية فى جهاز حكومى واحد .. لان الإنسان المعاصر يريد الحرية ، و يرى ان الاشتراكية حق طبيعى له ، و وسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية .. و من خطل الراى عنده ان يطلب اليه ان يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التى تكفلها له الاشتراكية كما تريد له الشيوعية الماركسية .. أو ان يطلب اليه ان يحقق حريته الديمقراطية فى ظل نظام اقتصادى راسمالى ، لا تتوفر فيه حاجة المعدة و الجسد الا بشق الأنفس ، كما تريد له الرأسمالية الغربية .. و التحدى الذى يواجه العرب اليوم هو نصيبهم من هذا التحدى العام للبشرية ، و لكنه اشد توكيدا و أكثر إلحاحا ، و ذلك لعدة أسباب ، اهمها اثنان .. احدهما ان العرب يعيشون فى منطقة هى سرة العالم ، و عندها تلتقى القارات الثلاث ، و هى منطقة صنع فيها التاريخ ، منذ فجر التاريخ ، و لا يزال يصنع .. لقد نشأت و التقت على أرضها جميع المدنيات ، و بخاصة تلك التى تجمع بين المادة و الروح ، و تطلب للإنسان الخبز لانه لا يعيش بدونه ، و تطلب له وراء الرغيف الحرية ، لانه لا يعيش بالرغيف وحده .. " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله " كما قال المسيح .. أو " الدنيا مطية الآخرة " كما قال المعصوم .. و ثانيهما ان العرب دون سائر الناس ، هم أهل الكتاب ، أهل القران .. و القران هو روح الله الذى إذا نفخ فى هيكل الحضارة الغربية المادية ، العملاقة الحاضرة ، عادت اليه الحياة و استقامت فيه الموازين ، و ملك القدرة على ان يسير بالبشرية إلى منازل السلام . لكن العرب اليوم يعيشون على هامش الحياة ، على قشور من المدنية الغربية ، و هى فى لبابها فاسدة دع عنك قشورها ، و على قشور من الإسلام .. و قد استدار الزمان دورته ، و أصبحت منطقة العرب مسرحا لصراع حضارى جديد ، هو ما نشهده الآن من حوادث يدمى لها القلب ، فى فلسطين و سوريا و مصر .. هذه الحوادث المؤلمة هى فى الحقيقة بمثابة أتعاب الولادة التى تصحب ميلاد المدنية الجديدة ، فى مهد المدنيات ، و العرب هم القابلة التى على يديها يستهل المولود الجديد ، و لكنهم عن دورهم هذا مذهولون .. يظنون ان إسرائيل هى سبب مشكلتهم ، و ما دروا ان إسرائيل نتيجة و ليست سببا !!.. و السبب هو ان العرب لا يحتلون فى التاريخ المعاصر المكان اللائق بهم .. مع أنهم يعيشون فى فترة تؤرخ تحولا جوهريا فى الحياة البشرية على هذا الكوكب ، تحولا لم يسبق للبشرية به عهد .. لكن منطق تطور الحياة البشرية المعاصرة يقول للعرب ، ان عليكم الآن ان تدخلوا التاريخ كما دخله أوائلكم فى القرن السابع ، فاشرقت بدخولهم على العالم يومئذ شمس مدنية جديدة ، أو ان تخرجوا عن التاريخ لبقية التاريخ .. هذا هو التحدى الذى يواجه العرب ، و ما إسرائيل الا قفاز التحدى ، قذف به فى ارض فلسطين .. و هو لم يقذف به الاستعمار الغربى ، و إنما قذفت به قوة ، ما الاستعمار الغربى الا أداة من أدواتها .. و قد سبق لهذه القوة ان تحدت العرب فى القرن السابع قبل ان يدخلوا التاريخ .