عرض مشاركة واحدة
قديم 08-24-2013, 12:45 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عباس باني المالكي
في قصة (ليلة ضاع فيها الرغيف) للقاص انمار رحمة الله ،نجد أن القصة تتمحور على عدد من محاور منها محور الغرائز البشرية "الجوع" ،ومحور العدالة ،و محور الثقافة ومدى أحياء الضمير الإنساني داخلنا، والجهل وما يسببه من عدم أدراك القيمة الإنسانية( الضمير )
والترابط الجوهري بين الناس،و مدى تقرب النص من ثيمة السرد وحبكتها السردية لأن القاص أستخدم هنا التداعي الذهني الصوري البنيوي والتي على وفقها خلق الجملة السردية من خلال هذه المحاور نستطيع أن نؤشر قيمة النص والمعنى المترتب والإشارة إليه.
المحور الأول _((مرتْ علينا ذاتَ شهرٍ أيامُ جوعٍ وقحطٍ، بسببِ بعد موقعنا البائس، فتكالبُ الطـقسِ علينا قطع الإمدادات من معونةٍ وإعاشةٍ دورية، وتكفـّلَ الشتاءُ بالباقي، حين أذابَ ما أخفيناه من طعام وشحوم وعزيمة، وبعد أيام ظهرتْ بوادرُ الخير حين لاحتْ لأعيننا مركبةُ الإعاشة من بعيد، عادتْ كـ (سانتا كلوز) محملةً بالهدايا للجائعين. في يومها لم تسعنا الفرحة، لقد كنـّا على مشارف الموت نتيجة الجوع، قلت لصديقي "سوف نأكل حتى نموت من الشبع" ضحكَ صديقي وحمدَ اللهَ بوجودي معه في محنتنا تلك. وصلت المركبةُ المتهرئةُ إلى باب الكتيبة اليتيمة،ثم اغلق السائـقُ باب َ المركبة بقوة ،و سـلّمَ على الموجودين، قاصداً مقرّ الإعاشة، ومبلغا ً أن ما بحوزتهِ أرغـفة خـبز لا أكثر،صُعـِقَ الجميعُ بهذا الخبر القاتل، وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدّسٍ في الوجود، واستغفرَ بعضُهم ربَه صابراً على ما أصابه من ضـيم ٍ، وأنا وصديقي نتفرج على مهزلةِ الجوع الأليمة، لا نعرفُ أنبكي.؟ أم نضحكُ...؟(( نلاحظ وصف تأثيري على حالة الجوع وما يسببه من تغير النواميس البشرية (وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدّسٍ في الوجود)وطبعا هذه أشارة خفيه لما سوف يأتي من أحداث أي جعل المتلقي ينتظر كيف يتم هذا التنازل عن قيم الإنسان أي أن القاص هيئ المتلقي لكي يتقبل ما سوف يقوم به الراوي في القصة من عمل يجعله في موقف الضعف اتجاه عزيزة البقاء بالابتعاد عن الجوع أي تتحول جميع الأفعال لدى الإنسان الى أفعال غير مدركة ضمن النواميس الحقيقة التي ينتمي لها الإنسان وهذه أشارة ذكيه تعبر عن رؤيا مسبقة لبناء النص السردي حيث أن القصة بنيت على هذا المحور لتتشعب المحاور الأخرى بشكل أدرامي تصاعدي وفق انعكاسات الشخصية ومداركها الإنسانية حين تبتعد عن فعل الغريزي وتصاعد الذات الى الوعي بقيمة الأفعال ضمن خط مفاهيمه التي تحدد سمات شخصيته التي ينتمي إليها , والقاص هنا قد أطال بسرد الحدث وقد تكون هذه الإطالة في صالح السرد لأن تزيد من أرباك المتلقي بزيادة ترقبه لأحتوى المعنى في حبكة السرد
المحور الثاني _((وُزِّعَتْ أرغفةُ الخبز حيثُ أخذ الآمرون حصتهم المألوفة، ومن ثم تمَّ توزيع الباقي على منلهُ يدٌ وذارع مفتولة ولسانٌ فاتك. همسَ صديقي في أُذني (سوفَ أجلبُ لنا رغيفين نخرس بهما جوعنا ) هرولَ إليهم مسرعا ً علَّه يخطفُ قرص رغيف بائس، أنا لم أفعلْ شيئاً سوى رجوعي إلى قاعة المنام منتظراً الموتَ أو وصولَ قافلة إمدادات أخرى. عادَ صديقي مبتسماً وبحوزته قرصُ رغيف واحد ))هنا أشارة موحية بقيمة العدالة وما تفعله في تحقيق الفعل الاجتماعي المستقر في تقبل الشروط الإنسانة كافه . وهنا أحياء ضمني بعدم وجود العدالة في مجتمع كامل وإلا كيف ترسل الى هؤلاء الجنود فقط أرغفة وهم في حالة حصار بسبب الظروف الطبيعية وعدم وصول الغذاء لهم منذ فترة وهذا يدل على ان الآخرين لا يمتلكون العدالة الكاملة اتجاه أفراد المجتمع كافة أي هنا تصبح القضية ليس محصورة عند هذا المكان بل تشمل مجتمع كامل بعدم توفر العدالة وما يسبب هذا من ابتعاد الناس عن قيمهم , والقاص أراد حصر ال وهنا أحياء أشاري بعدم وجود عدالة كاملة فكيف ترسل فقط الأرغفة وهم في حالة جوع كبير , والقاص هنا أراد أن يبين فعل عدم توفر العدالة في جانب محدد من المجتمع ليوضح الفعل الشامل بعد تحقيقِ العدالة وما يسببه هذا في المجتمع من ابتعاد الإنسان حتى عن أخلاقهِ الاجتماعية والقاص هنا حقق التوازن الرؤيوي في رسم أفكار السرد لكي يزيد من الترقب في موضوعية الحدث السردي.
المحور الثالث _((كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفأة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة. كنتُ أراقبه عن كثب حين يبكي من دون سبب، خافياً بكاءَهُ عن الكبار، ومسترسلاً في دموعه أمامي غير آبه، بحكم أني صغير وغير مكترث لدموع رجل عجوز، وهو الآخر ينظر إليّ النظرة ذاتها دون اهتمام.مازلتُ أتذكّرُ صوته البعيد، وارتعاشَ يدهِ الشائخة. سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة، وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها، سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعتين "بخير" أجبته ببساطة.صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفولي )) نشعر هنا أن هذا الجد الذي هو محور الحدث السردي ما جعله يوصل الى لحظة التصادم مع الذات وكشف مكنونها الذي كان يعذبها هو زيادة الوعي المعرفي الثقافي , لأنه لا يمكن أن ندرك الزمن الذي يمر على الذات إلا وفق الوعي المكتسب والذي يؤدي الى زيادة التحسس الإنساني داخلنا وطبعا هذا يأتي من خلال زيادة الفعل الحضاري الإنساني في تفكيرنا وإدراكنا , ونجد القاص هنا أعطى للصورة السردية قيمة التركيب التصوري لمشاهدة هذا التنوير التصاعدي في مسيرة تكوين الشخصية المحورية ( كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفأة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسل أنظاراً بعيدة من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة ) وهنا يتحقق الصراع ما بين الحقيقة الثابتة وما بين الثقافة السكونية النائمة وما بين الثقافة المتحركة التي تعطي الى الإنسان حرية التفكير في الحياة وتضيف له وعياً اختياريا بالنمو الفكري ( خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة ) وهذا ما يشير إليه القاص فالنافذة هي فعل التنوير في أحداث الفعل الثقافي فهو يتصفح الكتاب وفي نفس الوقت ينظر من خلال النافذة , وهذا أشارة عميقة تبين قدرة القاص على الاستفادة من كل أركان الحدث السردي بشكل موضوعة الحدث بكافة مساحاته التصورية داخل الحدث نفسه بالإشارات الخفية الموحية على تطوير الحدث بالوصف والأحياء الضمني لتطور الحدث السردي وإخراجه من الحدث الرتيب المتراكم الى حدث فعال في كسب التصوري الذهني الحدثي , كما أن الثقافة قد أعطت الى شخصية المحور بعد ثقافي مؤشر من خلال الرمز الموحي ( صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفولي ) وما النظارة هنا الا أحياء بزيادة الوعي أي أن القاص ركب الحدث السردي وفق تراكيب حدثي متشعب الى عمق التطور الذهني الفكري لهذه الشخصية فما بين النافذة والنظارة تتحقق الأحياء بقيمة الثقافة التي تزيد من الوعي الإنساني اتجاه الأحداث التي تمر عليها , فالقاص أستطاع بالقدرة على ألاستنهاض بالرموز الموحية ليخلق بؤرة مشعة بتصاعد السرد الى حد الدلالة الكاملة على أن هذه الشخصية اكتسبت الوعي من خلال المعرفة , والطفولة هنا هي أشارة الى الجانب البريء أو المخفي من الشخصية واستطاعت المعرفة من إبرازها الى السطح لتكون محور النقاش مع الذات وعن فعلها اللإنساني , فتحقق ترادف الوعي في أحداث الشخصية وتطورها من الداخل لكي تتغير نظرتها الى حركة الحياة الخارجية.المحور الرابع_(( سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة، وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها، سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعتين "بخير" أجبته ببساطة.صمتَ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية )) نجد هنا فعلين في تحقيق الإشارة التي ترمز الى المدرسة والنظارة و زجاجها قديم , ويشعر المتلقي هنا بقدر الأحياء الى قيمة الثقافة ومجهولة الذات ( وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا أعرفُ مغزاها) فنرى هنا ما بين المدرسة والطفولة والإشارة الضمني على عدم الإدراك في تكوين الثقافة في منهجية الشخصية , فنجد أن الطفولة ما هي إلا أشارة بني عليها المحور السردي في تطور الشخصية الرئيسة في تحديد الوعي واللاوعي والقدرة على تفسير الأحداث ضمن الحدث الذاتي , والطفولة كما قلت سابقا ما هي إلا الجانب المخفي والصامت من الشخصية , لكن فعل الثقافة جعلها تظهر لتحدث لحظات التنوير داخل الذات وتبين ما حدث فيها من صراع كان الوعي غائباً فيه نتيجة المجهول وعدم معرفة الرموز التي ترتقي بالشخصية الى أدراك ذاتها الإنسانية بعيدا عن غرائزها التي تظهر حين يكون هناك سباق الى المحافظة على البقاء في الحياة وما تفعله هذه الغريزة من أفعال تبعدها عن إنسانيتها بمختلف الطرق من الكذب والمراوغة لكي تسكب البقاء في الحياة.المحور الخامس_ أن القصة استطاعت أن تعطي كل هذه المحاور المتشابكة وفق نظرية السرد بإشارات حققت الكثير من الاستعارة الضمنية الموحية ولكن في نفس بقى الحدث السردي مستمر بأفعاله الإشارة الموحية , والنص أستطاع أي يوحي بأكثر من معنى داخل الحدث السردي وأستطاع أن يركب الأحياء ما بين الوعي الإنساني وغرائزها التي تسعى الى البقاء بمختلف الطرق , لكن نلاحظ أن القاص أعطى الى المعرفة الفعل الأقوى في تنوير الحدث السردي وفق منهجية الثقافة كانتماء حقيقي للإنسان الفاعل في تكوين العلاقات الاجتماعية الحقيقية الواعية , أي القاص أستطاع أن يحقق كل الإشارات بأهمية الثقافة الاجتماعية الإنسانية في تحقيق التوازني النفسي التركيبي ضمن المجموع وكما أستطاع أن يوحي الى قيمة العدالة التي تعطي الى الإنسان عمق ارتباطه الإنساني ضمن المجموع الذي يضمن له هذه العدالة.المحور الأخير هو اللغة أستطاع القاص أن يجد المناخ السردي القصصي في تركيب الأحداث وإعادة صياغتها وفق فعل الشخصية الرئيسة داخل الحدث السردي , وكانت اللغة مقاربة الى الفعل النفسي داخل الحدث واستطاعت أن تعطي الى الحدث التسلسل الزمني في نمو الحدث , وكانت اختيارات القاص عميقة في هذه الاختيارات للمفردات التي عمقت التداعي السردي في القصة.