عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2010, 11:28 PM
المشاركة 17
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موقفهم من السنة


الإسلام يقوم فى بنائه الأساسي على القرآن والسنة ومنذ بزوع فجر الدعوة الإسلامية وهى تتعرض للأعداء الذين تتنوع سبل عداءاتهم وتزداد كلما تقدم الإسلام بدعوته خطوة ,
والسنة عند أهل السنة هى قول أو فعل أو تقرير النبي عليه الصلاة والسلام وتحيط بها علوم متخصصة صنفها علماء السنة تحت اسم علوم الحديث ,
وعلوم الحديث هى الفرع الأعظم والأكثر دقة والأشد تأثيرا فى علوم الشريعة بأكملها , لأنه علم خادم , بمعنى أن علم الحديث كان هو الركن والعمود الأساسي ليس لحفظ السنة فقط بل امتد أثره إلى سائر العلوم الشرعية عن طريق دقة التحقيق فى المنقولات وتنفيدها سواء كانت من الأحاديث أو الآثار أو التاريخ
وهذا العلم هو فخر الحضارة الإسلامية المنفرد ,
فلم يسبق لأمة من الأمم أن تمكنت من حفظ تراث نبيها بهذه الدقة مطلقا , ومن هنا كان تعرض السنة لهجوم أعداء الداخل والخارج هو الحرب الرئيسية التى خاضها علماء الإسلام للذود عنها
وتمكن العلماء على مر القرون من دحر سائر الشبهات المثارة حولها حتى أعلن المهاجمون إفلاسهم بعد أن بلغت براعة علماء السنة أنهم لم يكتفوا فقط بالشبهات التى يثيرها المهاجمون بل زادوا على ذلك أن صنفوا كتبا فى شروح الحديث تتناول الشبهات المتوقعة على السنة وتردها أيضا ,

وكانت بداية علوم الحديث مع علم الإسناد والتفتيش عن النقل فى الحديث ,
وقد بدأ هذا فى مرحلة مبكرة تشي بأن علماء السنة لهم أصول غائرة فى مجال حفظها حيث ثبت فى الصحاح أن بداية السؤال عن الإسناد بانتظام حدث فى مرحلة مبكرة للغاية بعد ظهور فتنة استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه ,
عندما تدخلت اليهود برجلهم عبد الله بن سبأ لابتكار فتنة التشيع والقول بالرجعة والبداء وما إلى ذلك من العقائد الباطلة
وكان أخطر ما لجأت إليه مختلف الفرق التى تبطن الكفر وتظهر الإيمان هو وضع وتلفيق أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن عجزوا تماما عن التشكيك بالقرآن الكريم المروى بالتواتر والثابت بمصحف واحد اجتمع عليه المسلمون فى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه
فكان الطريق مفتوحا أمامهم لرواية الأحاديث المكذوبة المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام لتحقيق ذات الغرض وهدم أركان الشريعة الصحيحة , ويكفي لإدراك مدى خطورة هذا الأمر أن نعرف وضع السنة فى التشريع , وهو وضع مؤسس للشريعة يأتى بعد القرآن الكريم مباشرة كمصدر مفسر له بالإضافة إلى كون السنة مصدرا مستقلا مشرعا فى الأحكام التى لم يتناولها القرآن مفصلة
ولم تكن كارثة تزييف الأحاديث فى بدايتها مؤامرة منسوجة ومنتظمة وإما بدأت بشكل محدود انتبه إليه التابعون فى حياة بعض الصحابة عقب تفجر الفتن فقرر الأئمة ضرورة التيقن من رواة الأحاديث جميعا قبل اعتمادها صحيحة , وجاء فى مقدمة صحيح مسلم "26" أن الإمام بن سيرين قال
{ لم يكونوا يسألون عن الإسناد , فلما ظهرت الفتن قالوا سموا لنا رجالكم }
وكانت هذه الخطوة هى الخطوة الكبري فى طلب الإسناد بمجرد ظهور الفتنة فى عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه غير أنها لم تكن الخطوة الأولى بل الثابت فى عهد أبي بكر وعمر أنهم كانوا يستشهدون العدول على أى حديث جديد يسمعوه ,
وعقب تفجر أحداث الفتنة الثانية وظهور الخوارج تعددت الجهات التى تزيف الأحاديث وتنوعت بين دس خارجى من اليهود والفرس وبين دس داخلى من أصحاب المصالح والحكم , وكل منهم يضع الحديث يؤيد به فرقته أو طائفته ,
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم انتقلوا بين مختلف الأقطار فقد تعددت منقولات الحديث فى شتى أنحاء البلاد الإسلامية من اليمن للشام ومن خراسان للشمال الإفريقي , فاختلط الصحيح بالزائف وأصبح الأمر كجبل يجثم على صدور العلماء والفقهاء إزاء مناخ شاسع الإتساع يبدو مجرد التفكير فى تنقيته ضربٌ من ضروب الوهم والمستحيل , لا سيما مع ظروف العصر التى تجعل العالم المحقق ربما يقضي بضع سنوات راحلا بين أنحاء الخلافة ليتيقن من صحة حديث واحد !
لكن من قال إن هذا الطراز من الرجال فى ذلك العصر الذهبي كان يعرف المستحيل , ففور ظهور أبعاد الأزمة اجتمعت كلمة الأمة حكاما ومحكومين مع المحدثين فى سائر الأقطار ووضع كل منهم لبنة فى علم جديد مبتكر غير مسبوق إسمه علم الحديث وأخذوا فى وضع تصانيفه وأسسه وقواعده التى ساروا عليها فتحولت مع الوقت وجهد العلماء طبقة وراء طبقة إلى علوم متعددة للعلم الأم وهو علم الحديث واختص كل جماعة منهم بفرع أشبه بالأقسام الحديثة لأجهزة المخابرات ,
فقسم يختص بالتحرى الشديد عن صفات وترجمة كل راوى أو ناقل للحديث ويضع آراء معاصريه فيه وهل هو ثقة يؤخذ حديثه أم لا وفق قواعد علم الجرح والتعديل الذى برز فيه وتألق يحيي بن معين والذهبي والرازى وبن عساكر والحافظ المزى والبخارى ,
وقسم ثان اهتم بمصطلح الحديث حيث تناول فيه المحدثون شرح مدلولات الألفاظ فى رواية الحديث بمنتهى الدقة تحريا لعدم الخلط وأول من صنف فى هذا المجال القاضي أبو محمد الرامهرمزى فى كتابه { المحدث الفاصل بين الراوى والواعى }

وقسم آخر اهتم بتصنيف الحديث نفسه وأفرد لذلك كتبا مستقلة تحوى الصحيح الثابت فقط من سنة النبي عليه الصلاة والسلام , وهى كتب نشأت بجهد المحدث عن طريق تحريه شخصيا للحديث المروى والتيقن من عدالة وأمانة كل راوى فى سلسلة السند "27" ومن هذه الكتب المرجعية صحيح البخارى وصحيح مسلم وصحيح بن حبان وصحيح بن خزيمة
فضلا على الكتب الأخرى التى تناولت الحديث بأشكال معالجة مختلفة كالمسانيد وهى أن تسند الأحاديث إلى الصحابي الذى رواها فيفرد العالم فى مسنده الصحابة على شكل أبواب وفى كل باب يسجل أحاديث كل صحابي مع ذكر السند
وعلة ذكر السند أن يترك لمن بعده طريقة التحرى عنها بمصادر أخرى ,
وأشهر المسانيد هى مسند الإمام أحمد بن حنبل , وقسم آخر اهتم بتصنيف الأحاديث على أبواب الفقه ككتب السنن
وقسم ثالث جعل همه البحث خلف وضع القواعد التى تعالج أى تناقض أو غرابة تشوب الأحاديث النبوية لشرحها وبيانها فتفرع من هذا القسم علم غريب الحديث وعلم مختلف الحديث وعلم الناسخ والمنسوخ فى الحديث , وأشهر من تصدى لمختلف الحديث كان الإمام بن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث الذى اهتم بمحو التناقض الظاهرى بين دلالات الأحاديث النبوية ,
وأشهر من صنف فى غريب الحديث هو الإمام بن الأثير "28" بكتابه الشهير النهاية فى غريب الحديث والأثر ,
وكان الإمام الشافعى هو أول من أسس وبين أصول الفقه كما بين أصول الحديث وبيان الناسخ والمنسوخ فيه
فوضعوا للتنسيق بين الأحاديث المتعارضة مائة وواحد وجه للتوفيق بينها , ولم يقتصر الأمر على ذلك , بل إنهم قرنوه بمعالجة كل تناقض تمت إثارته وحتى التناقضات التى لم تظهر قاموا هم بابتكار ما قد يظهر من تناقضات وضعوا لها الحلول !
وقسم آخر اهتم بالأحاديث الموضوعة الشهيرة
حيث تفانى بعض المحدثين فى تصنيف الكتب المحتوية على أشهر الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ليقطعوا الطريق على انتشارها وأشهرها اللائئ المصنوعة لبن الجوزى وكتب الموضوعات للسيوطى والشوكانى

بالإضافة لعشرات الفروع الأخرى التى تأسست بمرور الزمن وكل جيل من العلماء يضيف لمن سبقه ضابطا آخر يزيد من دقة التحرى فى الحديث ويشدد فى قبول الصحيح ورد الضعيف حتى انقشع غبار الأزمة نهائيا وجاء العصر الحديث حاملا معه آثار جهد عملاق قلّ أن تجده مثيله فى إصراره
فشربت الأجيال الجديدة السنة النبوية صحيحة لا تشوبها شائبة من لغط أو غلط
الشاهد مما سبق أن تدوين السنة والتفتيش فيها بدأ منذ عهد الصحابة عبر الصحائف المختلفة لعدد من الصحابة كعبد الله بن عمرو بن العاص , إلى أن ظهرت فى المصنفات فى بداية المائة الثانية للهجرة ,
وانتشر بعد أحداث الفتنة مباشرة السؤال والتحقيق فى الإسناد ورد روايات المبتدعة وأصحاب الأهواء وتحرى الحديث فى مواطنه الأصلية ,

والأهم من ذلك وهو عين ما نبتغيه من هذا البحث
أن علماء السنة على مر العصور لم يتركوا حديثا واحدا ورد فى إحدى كتب السن دون تحقيق وتمحيص ومعالجة دقيقة لمختلف طرقه والحكم عليه
فاستبان فى وضوح أين الصحيح وأين الضعيف ,
فاعتمدت الأمة صحيحى البخارى ومسلم على أن كل ما بهما فى مرتبة الصحيح الثابت ,
ثم تكفل العلماء ببقية كتب السنن المختلفة الأغراض وأخضعوها للتحقيق أيضا وبينوا ضعيفها من صحيحها
ثم تواترت الجهود فتعدت كتب الحديث إلى مختلف كتب الفقه والتفسير وغيرها من فروع الشريعة فأنشأ العلماء علم التخريج وهو العلم الذى يعنى بإخضاع الأحاديث الواردة فى كتب الشريعة المختلفة للتحقيق وتحريها وبيان درجتها وطرقها جميعا فى هامش الكتاب ,
ومن أشهر تلك التخريجات تخريج الحافظ العراقي لكتاب إحياء علوم الدين للغزالى ,


شواهد الدقة المذهلة فى تحقيق السنة

أورد هنا بعض شواهد الدقة فى التحقيق لبيان مدى الجهد والمعاناة التى تكبدها السابقون والتى لا زلت أصر على أنها جهد مستحيل حتى لو تم بعصرنا الحالى الذاخر بوسائل الإتصال العالمية ,
ففي العصر الحديث وفى وجود أدوات الإتصال مسموعة ومرئية ووجود شبكة الإنترنت التى ربطت العالم من سائر أطرافه لو أننا كلفنا باحثا للقيام بمهمة بحثية تخص موضوعا واحدا ـ كما يحدث فى الرسائل العلمية لدرجة الماجستير والدكتوراه ـ ووفرنا له سبل المعاونة الموجودة فإنه يستغرق فترة لا تقل عن أربع سنوات ليصل لنتيجة البحث ويقدمه كاملا , وغالبا ما يكون البحث رغم الجهد قاصرا بموضع معين تبينه مناقشة الرسالة , وهناك بعض البحوث النظرية فى كليات الحقوق استغرق فيها الباحثون ست عشرة سنة كاملة ليتقدموا ببحوثهم العلمية
وهناك من أمضي عمره كله تقريبا فى البحث بالمراجع ليتمكن من إخراج كتاب واحد , مثال ذلك المؤرخ المعروف محمد عبد الله عنان الذى قضي قرابة أربعين عاما ليتم مؤلفه الجامع عن الأندلس { دولة الإسلام فى الأندلس }
وفى الجانب الآخر قد يستغرق جهاز المخابرات قرابة ست أو سبع سنوات ليؤكد معلومة واحدة أو ينفيها , وهناك بعض التحريات التى تتم للمرشحين للمناصب الحساسة تستغرق فترة من ستة أشهر لثلاثة أعوام لاتخاذ قرار نهائي بصلاحية هذا المرشح من عدمه ,
كل هذا الوقت فى ظل خدمات التكنولوجيا ودعم العلم التقنى الخادم لتلك الأغراض

فلنا أن نتخيل كيف قام علماء السنة فى العصور الإسلامية الأولى بتأليف كتبهم ووضع القواعد الموثقة لعلم الحديث لا سيما فى الفرع المسمى { علم الجرح والتعديل } والذى كانت مهمة العالم فيه أن يقوم بالتحرى الدقيق عن كل محدث أو راو أو ناقل لحديث أو قول صحابي أو تابعى "29" ويسجل اسم الراوى وصفته وكنيته وما انتهت إليه التحريات بشأنه ليكون هذا الكتاب مرجعا لمن أراد التحقق من صحة أى رواية بمعرفة مستوى هذا الراوى
ونعطى فكرة عن أحد أهم المؤلفات فى هذا المجال وهو تاريخ دمشق للعلامة بن عساكر , فقد تمت طباعة هذا الكتاب بأسلوب الطباعة الحديثة فى حوالى 93 مجلدا, وقد احتوى هذا المرجع على ترجمة لشخصيات دمشق على ثلاثة مستويات
الأول : ترجمة كل رجال دمشق المقيمين فيها
الثانى : ترجمة كل من استقر بدمشق وكان وافدا إليها من بلد آخر , عندئذ يقوم بن عساكر بالرحيل إلى بلده الأصلي والتحرى عنه ووضع صفته وحكمه عليه
الثالث : ترجمة لكل من مر بدمشق مجرد مرور وهو فى رحلة إلى غيرها من البلاد
وهناك أيضا كتاب الكمال للحافظ المقدسي الذى اعتنى برواة الحديث وقام الحافظ المزى بتهذيبه فى كتابه المعروف ( تهذيب الكمال ) وجاء من بعده الذهبي فزاده تنقيحا وأخرجه باسم ( تهذيب التهذيب ) وجاء من بعد هؤلاء الحافظ العسقلانى فزاد عليه وقدمه تحت اسم ( تذهيب التهذيب )
هذا بخلاف كتب الرجال المتخصصة التى اعتنت بالضعفاء فقط مثل كتاب الضعفاء والمتروكون لابن حبان ومثل ميزان الاعتدال للعسقلانى وهناك كتب الرجال التى تخصصت فى الثقات فقط مثل سير أعلام النبلاء وغيرها وهناك من جمع بين المجالين مثل كتب تاريخ بن معين والبخارى وغيرهم
ومقاييس الجرح والتعديل التى اعتمدها علماء السنة لقبول رواية الراوى صنعت حاجزا صلبا أمام دخول أى مكذوبات فى الحديث لأنهم اشترطوا لصحة الحديث كما هو فى تعريف الحديث الصحيح "30"
( أن يكون بنقل العدل الضابط عن مثله إلى جميع الطبقات من غير شذوذ ولا علة)
واشتراط عدالة الراوى هو الشرط الذى لم يكن يتهاون فيه علماء الجرح والتعديل عملا بمبدأ النظر عمن نأخذ الدين
وينبغي التركيز على تلك النقطة بالذات لأنها نقطة الفصل بين السنة والشيعة ,

أما عن قواعد اعتماد الجرح والتعديل فلم يكن الأمر يؤخذ بلا تسبيب فلابد أن يكون الجرح موافقا لعيب واضح يقره العلماء
والأهم من ذلك أن قول العلماء فى شخص معين أنه ثقة أو أنه ضعيف أو كذاب لا يؤخذ من عالم واحد بل يؤخذ الحكم على الراوى من مجموع أقوال علماء الجرح والتعديل وهذه دلالة إضافية على دقة التحري , فإن خدع أحد الرواة واحدا من علماء الجرح والتعديل بادعاء التقوى فلن يستطيع خداع بقية العلماء الذين سيتولون أمره
ولو ألقينا نظرة على الأحوال التى يتم فيها جرح الراوى وعدم الأخذ بروايته لوجدنا حذرا بالغا غير مسبوق بالذات فى هذا العصر الذى لم ينتشر فيه الكذب أو النفاق , فالراوى لا يتم رد روايته لمجرد إثبات كذبه فى رواية حديث , بل يتم جرحه لمجرد التدليس , والتدليس فى مصطلح الحديث ليس معناه الخداع والكذب بل هو مجرد أن يقول الراوى سمعت من فلان وهو شيخه بينما هو سمع الحديث من زميل له عن نفس الشيخ , هنا يجرح الراوى بالتدليس لأجل هذا فقط
بل إن أحد علماء الحديث لم يقبل حديث أحد الرواة عندما رآه يخدع بعيره فيضم ثوبه ويحركه للبعير حتى يظن أن ثوب صاحبه مملوء بالشعير لكى يأتى البعير فلا يهرب , فرفض العالم أخذ روايته لأنه ثبت له كذبه على بعيره فاعتبرها جرحا له

ولم تقتصر العناية عند الوقوف على أحوال الرواة فحسب ,
بل كانت أحوال الرواة مجرد فرع من فروع التحقيق التى امتدت إلى نصوص الحديث نفسه بمنتهى الدقة , فلا يوجد عند أهل الحديث التسيب الذى نعرفه اليوم من نقل دون وعى أو ذكر دون تدبر بل إن الراوى إذا خلط حرفا بحرف وهو ينقل روايته وليس كلمة مكان كلمة , جرحه علماء الرجال باعتباره ضعيف الحفظ حتى لو حافظ على معنى الحديث ومضمونه
بل إنهم يتتبعون مراحل حياة الراوى أو العالم الواحد فيقال مثلا أن روايته فى سنه الصغيرة كانت أوثق من روايته بعد أن كبرت سنه ويسجلون هذا فى مراجعهم

ولكى يتم قبول الحديث صحيحا يجب فيه أن تتوافر شروط الحديث الصحيح وهو أن يروي الحديث الثقة العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه بسند متصل من غير شذوذ ولا علة
فهذا التعريف البسيط أجمل شروط صحة الحديث بضوابط تعجز مباحث أمن الدولة الآن !
فإن سقط فرد واحد من سلسلة السند يتم تضعيف الحديث وإن كان أحد الرواة ضعيفا وباقي الرواة على أشد الثقة تم تضعيف الحديث أيضا , إلا إذا كان الضعف ناجما عن قلة حفظ وتم ضم هذا الراوى لغيره فيتم وضع الحديث فى مرتبة وسطية وهى مرتبة الحسن
بالإضافة لما هو أهم ,
وهو أن المحدثين على مختلف طبقاتهم كانوا يتابعون فحص ما انتهى إليه سابقيهم من العلماء , بمعنى أن كتب غيرهم ونتائج بحوثهم فى علم الحديث لم تكن تقبلها الأجيال التابعة من العلماء قبولا تلقائيا بل كانت تتحرى عنها بنفس الطريق أو بطرق أخرى , ولهذا فإن كتاب مثل صحيح البخارى أو صحيح مسلم برز بروزا شديدا بين الصحاح لأن ثلاثة أجيال من العلماء على الأقل تعاقبت على فحصه بمنتهى الدقة فلم يتركوا فيه حديثا واحدا دون فحص جديد , وهذا رغم جلالة مقام البخارى كإمام أهل الحديث بلا منازع وما عرف الإسلام مثيله فى دقة الحفظ والوعى والتحرى حتى أنه كان لا يضع حديثا فى صحيحه قبل أن يصلي ركعتين عقب إتمام فحصه والتحرى عنه , وقام بتصنيف أحاديث صحيحه البالغة نحو أربعة آلاف حديث من فحص 600 ألف حديث كان يحفظها بأسانيدها وأحوالها عن ظهر قلب !
ولذا قبلت الأمة صحيح البخارى ومسلم وأجمعت على صحتهما عقب الحكم عليهما من أجيال العلماء المتتابعة "31" ,
ولذا عندما نجد من يطعن فى صحة حديث بالبخارى ـ بعد كل هذا ـ يحق لنا أن نملأ صاحب الطعن سخرية , فهو لا يشكك فى البخارى وحده بكل دقته وعلمه بل يتجاوز إلى قرابة سبعة أجيال من العلماء تتابعت على كتابه بالفحص واعتمدته
لا سيما أننا لو عرفنا كنه الأحاديث المطعون فيها بين الحين والآخر بالصحيحين وغيرهما من الأحاديث التى أقر العلماء بثبوت نسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام , هى كلها أحاديث توقف عندها العلماء وناقشوها بالفعل قبل قرون , وليس في ما يذكر من طعون أى جديد يلفت النظر فقد استوفاها العلماء معالجة وردا , لكن المشكلة الحقيقية أن من يطعن على تلك الأحاديث لا يكون جاهلا فقط بإجماع العلماء على مدى عصور بصحتها بل يكون جاهلا أيضا بأن شبهاته تلك تم الرد عليها فى كتب لم يكلف نفسه مطالعتها أو البحث فيها عند أهل الإختصاص "32"