الموضوع: أسرة متمدنة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2013, 06:25 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الزوجة قررت فرض سياسة الأمر الواقع ، نبهت الجميع أنها سوف تطبخ الطعام و تغسل ملابس الطفلين ، وعلى الباقي تصريف باقي الأعمال ، من نظافة المنزل ، غسل الأواني ، تقسيم الطعام ، غسيل الملابس وخياطتها وكيها ، تهوية المنزل ، نشر أفرشته تحت أشعة الشمس ، وترتيب البيت والتبضع . الأب يتحسر على هذه الفوضى التي لا تمت إلى الأخلاق بصلة ، عند عودته من العمل يحاول توزيع الأدوار و يحاول قدر المستطاع الحد من تأثير إضراب زوجته عن بعض الأعمال ، افتقد ضحكتها و استقبالها وإطفائها لنار تعبه بخدماتها و حنانها ، طوال الأسبوع يحاول ثنيها عن غضبتها ، لكن ذلك لا يزيدها إلا إصرارا . الجدة تائهة بين نوباتها المرضية وانشغال الجميع عنها و تمرد العروسة عنها ، تحاول المهندسة إفهامها أن كل شيء سيتحسن ، وأن هذه الفترة الانتقالية ماضية لا محالة ، و أن الكل في الأخير سيجنح إلى النظام والتسامح والتعاون . الطبيب يؤذن مع كل صلاة لا توافق غيابه الإضطراري فيعلو صوته في أرجاء المنزل ، وبعد صلاة المغرب يقدم درسه حول السياسة الرشيدة ، والأخلاق الحميدة والسمو الروحي ، وعدم الافتتان بالحياة المادية ، و نكران الذات ، دون أن ينسى التركيز على التقوى مشيرا بسبابته نحو قلبه .
تعاظمت مشكلات الأسرة وأثرت بشكل غريب على مردودية أفرادها ، فهذا تجعدت ملامحه واكفهرت سرائره و تتملكه النرفزة مع كل احتكاك ، و ذلك كثير شروده وغائبة فطنته ، و تكالبت أخطاؤه ، و صدت تقاريره و فروضه ، حتى الأم تملكتها النغصة وهي ترى بيتها ينهار أمام عينيها ، أينما حلت لا يهنأ لها بال ، مرة تستحضر المستقبل فترى نفسها مطلقة تفترسها الوحشة والوحدة ، و كثيرا تسترجع قدرتها على معالجة الصعاب ، الأبناء شحبت وجوههم ، غابت تلك الأرواح النزقة في تصرفاتهم ، بنت الثانوي تعرف لأول مرة أن انفراط النظام هو الركود بعينه ، واعترفت في دواخلها أن الفن الجميل لا يبدعه إلا الظرف الجميل ، حيث الذوق الجميل والحياة الهادئة و الوجوه البشوشة .
على أحر من الجمر انتظر أفراد الأسرة جمعتهم علها تكسبهم تمكاسكا وتساكنا جديدين .