الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2013, 01:03 AM
المشاركة 20
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



في الصباح يستقظ الكل وقعقعة الأسرة الحديدية المكونة من طابقين ، فيتوجهون نحو الصنبور المكشوف المحادي للمطعم ، فيغسلون أياديهم و وجوههم بماء مثلج تزيد من لسعاته الريح الشتوية ، فيصطف الجميع أمام شباك الفطور ، كل نزيل يتناول كأس حليب و نصف رغيف مطلي بمربى مختر أو زبدة جارية ، فتجد الأطفال يفضلون الخبز الحافي .
نزلاء الدار ينالون الرتب السفلى في فصولهم ، يتسكع أغلبهم عبر مقاهي البلدة أو يلعبون الورق في أوقات فراغهم ، بعضهم يفارق الإعدادية لمدة قد تصل الشهر الكامل ، قليل من هؤلاء ينال شهادة الثانوي ، بينما يبلغ عدد المنحرفين نسبا متقدمة قد تصل إلى الربع ، و تحتفي بهم المراتب المتؤخرة في مسابقات الرياضة والثقافة التي تقام على صعيد البلدة . حقائق لا تجد لها عينا دامعة ولا قلبا خافقا ولا أذنا سامعة ، الكل متجاهل ، المسؤولون أميون يقودهم رئيس منحرف يصب غضبه وكبرياءه على النزلاء متى أطل على إدارته المهترئة . والأغرب لا محاسب ولا متابع ولا رقيب ، لم نسمع طوال إقامتنا بهذه الحاضنة عن مهتم شملنا بعطفه ولا مراقب شرفنا بقدومه ، كما لو أن هذا المنفى محمية لمخلوقات غريبة .
ترك الأبرياء لكف الإهمال والمدمرين تقودهم إلى اللاشيء ، عند استثناء ثلة من أولئك الصامدين الذين قويت مناعتهم فتجدهم يصاحبون كتبهم صبحا ومساء ، عائمين في عزلتهم شاذين عن الجماعة لا تطيقهم ولا يطيقونها تجد الباقي منقاذا إلى الأهواء ، فتلك مجموعة من سارقي الفواكه في الحقول المطلة على الوادي ، وتلك زمرة مدخنين اجتمعوا حول سيجارة واحدة يتناوبون على شربها رشفة رشفة ، و يوم يحصلون على حبة مخدر ترى أعينهم تلمع إشراقا و ارتياحا ، فئة أخرى جرفها الغرام تسبح في بحر المواعد بين أشجار الوادي و ظلال القصب وآخرون مغرمون بالأشرطة السينمائية لا يكادون يفارقون نادي الفيديو .