الموضوع: صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2013, 01:18 PM
المشاركة 19
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الفيلاج مدينة مصغرة يقصدها الناس لأغراض إدارية ، فضاء أوسع من من القرية ، شباب بالزي العصري ، قميص وسروال ، فتيات بفساتين فاتنة وعيون ساحرة و خطوات متزنة ، لغة مختلفة ، سرت وراء احداهن ، عطر يفوح حولها ، شعر ذهبي مسترسل على ظهرها تداعبه رياح الخريف ، فخد أبيض لامع يظهر كلما هبت نسمة مميطة عنه لثام تنورة لا تتجاوز الركبة ، محفظة كاكية من جلد مصقول بحزام رقيق معلقة بكتفها الأيمن ، وقع حذائها ذي العقب الطويل يوافق ميلان جسمها على إيقاع نغمته الموسيقية .
دكاكين تعرض ملابس النساء والأطفال في الغالب ، مكتبة تباع فيها لوازم الدراسة وبعض الجرائد ، مسجد بمئذنته الفارعة ، طريق معبدة في حوانبها أشجار باسقة ، هدير السيارات يقاطع بين الفينة والفينة صوت شريط موسيقي ينبعث من دكان بائع الأشرطة و آخر لحلاق قبالته ، مرت دورية رجال الأمن أحسست بقشعريرة تجتاح جسدي ، كأني في فصل الشتاء ، حنين القرية يراودني كلما تأملت هذا العالم المختلف ، الإعدادية بلونها الأحمر تبدو بناياتها الإسمنتية الشامخة وملاعبها الرياضية الواسعة لكل زائر ، أفواج لا حصر لها من التلاميذ يكتظون على بابها كل صباح ، أمشي مع رفاق جدد جمعتني وإياهم ظروف متشابهة ، أغراب وفقراء يسكنون دار الأطفال .
دارالأطفال مبنى يأوي ساكني القرى البعيدة الذين لم يحظوا بمنحة تشجيع التمدرس ، أغلب ساكني تلك القرى لا يلتحقون بالفيلاج لغلاء كلفة التمدرس وعدم الاطمئنان على أبنائهم الذكور ، أما الإناث فلاحظ لهن وفق أعراف القرى وتجاهل المسؤولين .
قاعتان يفصل بينهما يفصل بينهما حائط غير ملتصق بالسقف ، تتموضع عليه غازية تستعمل للإنارة كلما أصيب محرك الكهرباء بعطب على عادته ، بقعة سوداء رسمتها نيران الغازية على السقف ، كل قاعة في حجم حظيرة عصرية للأبقار يسكنها أكثر ستين بريئا حكم عليهم الفقر أن يتنالوا حظهم من المعاناة في عز طفولتهم ، قراءة في أحلام سكان الدار تؤكد مدى تجرعهم لمرارة الحياة ، ما إن يرخي الظلام ستائره على الحجرتين حتى تسمع صراخا وعويلا وأنينا واستغاثات ونداءات وندبات ، فيظل الساهد يستمتع بألوان الألم والكوابيس حتى ينبجس نور الصباح فيحس بعينيه انتفختا جراء الروائح الآدمية الكريهة و الأحذية المتعفنة وروائح البول التي تفوح من بعض الأسرة ، ناهيك عن روائح التبغ .