عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2013, 12:26 AM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

النص في بدايته وضع الأصبع على الجرح ، وهو الوصول إلى القرار ، مخاض اتخاذ القرار أصبح عسيرا جدا في عصرنا اليوم فالحقائق المتعددة التي تعج في العالم والرؤى المختلفة لها وقع سيء على العقول التي ألفت القرار الأحادي الجاهز ، القرار الوحيد الذي يدعوك إلى السلبية المطلقة والقبول بدون رفض ، تحرر القرار والحقيقة من هذه القيود وتفتح الفرد على أنماط ثقافية أخرى أربكت قدرته على الفعل الذي يريده أن يكون سليما على الدوام ، فالإنسان العربي يحاول أن يتعايش مع المستجدات والثقافات الأخرى لكن بعقلية القرار الصائب ، فهو لا يملك آلية التعدد في منهج التفكير ، فمنهج التفكير الأحادي الذي تربى عليه يجعله تائها أمام تعدد الحقائق . فهو يحاول تحليل معطيات الحاضر بعقلية الماضي .
إذا كان مدخل النص يوحي باتخاذ القرار فالمؤلم أن قرار الهروب من المعترك رغم سلبيته فالكاتب جعله تكتيكا ، فهو ليس هروبا حقيقيا بل هو محاولة رؤية المشهد كاملا ، فهو يريد لبطله أن يرى الحقيقة بكل تجلياتها ، فهو انخراط حقيقي لمحاولة فهم ما يجري ، علما أن الحقائق تتصارع بشكل مبالغ فيه ، فالمرجو من الحقائق هو التكامل وليس ذلك التنافر الذي لن يؤدي إلا مزيد من التقهقر ومحاولة كل حقيقة إقصاء الأخرى لتستفرد بالساحة و جعلها تعود إلى المربع الأول .

لفتة جميلة في النص أن الهروب لا يجدي في شيء ، فأنت تعيش مرحلتك سواء كنت منخرطا فيها أو اخترت الهامش ، فحدث شراء الحذاء وإن كان للحذاء رمزيته في ثقافتنا " فهو رمز للقهر ، رمز للنتانة ، رمز حتى للزينة عند النساء ، رمز للمقاومة " حذاء الصحفي العراقي " فأظن أن اختيار الحذاء كان متعمدا في النص لكونه يحمل تلك الحمولة المتعددة من جهة ومن جهة أخرى لكونه مزدوجا ، و نحن كما شرحت سابقا لا نحب هذه الازدواجية و هذا التعدد فنحب أن نرى الحذاء كوحدة كلية كحقيقة واحدة ، فالكاتب وفق بشكل باهر في توظيف الحدث للتعبير عن الواقع .
أظن أن من أقوى نقط النص هو توظيف مصطلح التخصص ففي لا شعورنا و حتى أيضا في وعينا لا نزال نريد ذلك الشخص الكامل الشخص الملهم ، أو ما يسمى بثقافة الزعيم ، أو حتى في الجانب العلمي ما نسميه بالإنسان الموسوعة المتبحر في كل العلوم ، وهذا طبعا ليس إلا ذلك التوغل الفاضح لثقافة الشمولية وثقافة الحقيقة الواحدة ، بل حتى الإنسان العادي في ثقافتنا نجده يشارك في كل النقاشات و لا يتحرج إطلاقا في إبداء رأيه في كل الأشياء في حين أن الإنسان الغربي يؤمن بالعلمية والتخصص فنجده عندما يسأل عن موضوع لا يفقه فيه يجب بكل بساطة أن هذا ليس من اختصاصي .
من النقط القوية أيضا في النص ذكر السمسرة المقرونة بالدعاية وهذه من أهم معضلات اليوم و هي من سيئات التعدد غير المعقلن ، فالمغالاة والأسلوب الإشهاري والدعائي تعتبر حقيقته غير علمية ، ونحن في عالمنا العربي ، لازلنا لانميز بين الحقيقة العلمية الثابتة والحقيقة العاطفية التي تستند إلى بعض الإيجابيات و تغفل ذكر السلبيات .

نهاية النص أكثر من رائعة فهي توصيف حقيقي للإنسان العربي التائه المنقسم على ذاته المضطرب الذي يحتاج إلى معرفة ذاته و عدم القفز على نواقصة و التي يشير فيها الكاتب أن الحقيقة الواحدة لا يمكن أن تجعلك في عالم اليوم تسير سويا .