الموضوع: من أجل عيونك .
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
14

المشاهدات
5345
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
06-29-2013, 01:21 AM
المشاركة 1
06-29-2013, 01:21 AM
المشاركة 1
افتراضي من أجل عيونك .
استفحل عليه الأمر أكثر مما توقع ، كانت تغريه المغامرة ، فوجد نفسه قيد السفر ، ما إن ينهي رحلة حتى يبدأ أخرى ، تغريه المدائن بحسن زينتها ، و الأرياف بعذرية طباعها ، يرتشف اللذة بين أصالة المكان و ما يلمع وجهه من حلي العصر ، تتلهف نفسه لرؤية آخر صيحات العمارة ، تسافر روحه مع رموز الأقدمين ، يوما فكر في الاستقرار ، اختار واحدة من المدن الصغيرة الضاربة في التاريخ والمتطلعة إلى المستقبل ، هناك اكترى مبنى صغيرا حول جزءا منه متحفا بسيطا يعرض فيه أهم ما غنمه في سفرياته و رحلاته من كنوز التراث ، هيأ غرفا لاستقبال عابري السبيل ، هؤلاء الذين خاصموا الزمان وتعلقوا بالمكان ، رآها تحمل حقيبة ظهرية ، تسأله عن الأسعار ، لم تكن وحيدة ، هي مع صديقتيها ، أعجبهن هذا المأوى المتواضع ، فأمضين فيه بضعة أيام ، كان خلالها يعيش شقاء لم يعهده ، تساءل إن كان للاستقرار علاقة بهذه الأزمة القلبية ، فهو بالكاد يهادن حبه للسفر ، لكن قلبه كلما أرغمه على السكن تسارعت دقاته غيظا من هذه الرتابة القاسية ، فأين فسحة الأمسيات وأين خيوط الصباح التي تنفخ الأحلام مع دوران العجلات و تقدم الخطوات ، أين الفسيفساء الآدمية التي كانت تتراقص أمام عينيه في حركية دائمة كما عقارب الساعة التي لم يهتم يوما لدورانها ، لكل ساعة حكاية ، لكل يوم قصة ، لا يزال في شروده حتى جاءت لتدفع مؤخر حسابهن و قد انتهت مدة الإقامة ، ودقت ساعة الفراق .
تسأله كشف الحساب ، ويسألها البقاء . " لماذا لا تريدين البقاء ، ألم تحسي بالراحة في هذه الأرض ، طبعا هي ليست كتلك المدائن الكبيرة ، لا تلبي كل الغرائز ولا تغذي الكثير من الشهوات ، لكن رغم ذلك فهي مدينة هادئة ، مدينة للراحة ، مدينة للاستقرار ، عفوا أنت من هواة السفر ، هي مكان يحلو إليه السفر ."
تعجبت من هذا الأسلوب التجاري الممل الذي تراه ابتزازا و استصغارا وتحقيرا و إهانة لذكاء الأفراد لكنها جاملته قائلة : " حسنا ، أمضينا في هذا المنزل أياما جميلة وهادئة ، واستمتعنا بمعالم المدينة و ربما نعود إليها بعد أعوام متى حدث فيها تغيير يستحق المشاهدة .
أحس غصة في حلقه وهو يرى عودتها بعيدة بعد الشمس عن القمر ، فقال : " أنا أيضا سأرحل عن هذه المدينة ، اكتشفت أخيرا أني لا أحبها ، حقيقة لا أحب الاستقرار ، لا أحب المكان بل أحب أن أغير المكان ، سأسافر ، ربما تحتجن رجلا بصحبتكن ، يدفع عنكن كيد الطرقات و متاعب الرحلات ، مجرد مرشد سياحي "
تيقنت من ذهاب عقله وهي من كانت تعتبره في مدة إقامتها رجلا رصينا عارفا متعقلا خدوما ، ضحكت من كلامه وهي تبتعد :" ورقة الحساب من فضلك مختومة فعطلتنا انتهت اليوم . سأعود مع رفيقاتي ، و إن كنت تحب العمل فساعدنا على حمل الحقائب إلى محطة القطار .
صعدت إلى غرفتها فأعد عربته التي يحضر بها بعض ما يحتاجه زبناؤه ، يحمل الحقائب على ظهره يسويها بنظام ، لم يصمت لسانه على طول الطريق ، وجد نفسه في مرح السفر ، أنفه تشتم رائحة المحطة ، قدم ثمن التذكرة ، رمقته يحمل حقيبته و يتجه إلى قطار آخر تقدمت نحوه تسأله : ماذا تفعل ؟
فقال لها : " لا مستقر لي هنا ، سأهيم على وجه الأرض . ليس عشقا في السفر لكن من أجل عيونك ."