عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2013, 11:35 AM
المشاركة 15
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
نقد مقدم من الأستاذ الصديق تركي امحمد.. مع جزيل شكري وتقديري.

القصة القصيرة بالأردن بين الانفتاح والانغلاق
قراءة في قصة اختلاط
لريما ريماوي
بقلم الأستاذ/ تركي أمحمد

بداية وجب علي وأنا بصدد قراءة هذا القصة أن أشكر الكاتبة والصديقة "ريما يماوي" على هذه الطاقة اللغوية والكفاءة التعبيرية المبثوثة في معظم نتاجها القصصي، فهي من جيل عشق كتابة هذا الفن السردي، إضافة إلى بيلوغرافيا من القصاصين الأردنيين كـــا: سليمان المعمري في مجموعته "ربما لأنه رجل مهزوم"، و قصة فاطمة العبيداني (حمى القرن)، ومجموعة يونس الأحزمي بعنوان: (حبس النورس). وكذا (جنوب الوقت) لعلي الصوافي.... وغيرهم كثير. والقاص كما نعلم ذات هادئة عكفت على قراءة الواقع المعيش فاختزلت منه تجارب، طعّمتها في الغالب بخيال للتشويق والإثارة، ليحاول في كلّ قصة يقدّمها لنا قذف شرارات التحذير والتغيير وفضح هذا الواقع بكل زيفه ومرارته، ولذلك نتفق مع نظرة النّقاد القائلين بأنّ القصة والرواية وكل أشكال السّرد خدمة مسبقة للقارئ؛ فهي تقومه وتحضّره لأن يتفادى مثل هذه الحوادث والوقائع التي قد تصادفه في حياته، وعليه كانت القصة فضح وفسخ لمشاكل المجتمعات والآفات الاجتماعية المعاشة، وفي قصة اختلاط للقاصة ريما ريماوي تشخيص بارع ودقيق يقرّب حادثة وقعت لبنت في ريعان شبابها، فرضت عليها الظروف السفر والتجوال في بلدان غير بلدها الأم لرؤية أخيها المغيّب في بلاد ما وراء البحار. بادئ ذي بدء أنوه إلى أنّ قصة'اختلاط' تعبر عن حادثة واقعية اجتماعية، لأنّنا في زمن يحصل فيه أي شيء ونتوقّع فيه كلّ شيء، مع الأنذال وعديمي الشرف، والقاصة لم تتحمل أيّ عناء في تقديم قصتها، وكأن قصة اختلاط مولود لم تتعسّر على الأم ولادته، وإنّما صدر عن سجية أدبية وسليقة متمرِّسة على كتابة هذا النوع من القصص التشويقية الجميلة، ولعلّ الغرض من هذا فتح مجال القراءة على الكلّ، شريطة أن يتحمّل الكل رواتب القراءة. لكن ثمة أمور قد يقع فيها القاص، وهي هفوات وهنات نرّجعها إلى أنّ متعة هذا الأخير في السرد وقذف ما في جعبته قد تحيد به عن الطريق، فيقع في طريق الملل والإهذار والخطل، واللغة أكبرعدو للأديب إذا لم يتريث في صقلها، وكبح جماحها. وعليه تكون اللغة عنصر تجميل وتدبيج، وقد تكون عدوه الأكبر كما عبّر الناقد العربي عز الدين اسماعيل. قراءة نقدية للقصة: سأختزل المختزل وأقدّم صورة كاملة عن القصة في نقاط، أرى فيه أن لو فعلت القاصة في هذه الفقرة كذا لكان أجمل؛ أي وبعبارة أخرى ستكون قراءتي إضافة لا أكثر ولا أقل: ü إنّ لغة القصة بسيطة سهلة، تبلغ القاصة ذروة الإبداع والكتابة، ثم تسفر بها نحو الحضيض فتبدو وكأنّها لغة طفيلية، أو لغة اللسان الخشبي كما يقال، غطتها لهجة الشارع. هذا ما يلاحظ في قولك: ( ما باس تمها غير أمها )وهو مثل كنت تستطعين الاستغناء عنه فهو لم يأت للقارئ بجديد؛ وإنما كان له دور في تغليف هذا الجزء بالغموض، إضافة إلى كلمات أخرى عامية بنطال (الجينز)، البار... ü هنا وإبان تأزم حوادث القصة أراك لا تتركين فسحة للقارئ ينظر من خلالها وقائع الحادثة التي جرت بين الشخصيات غزالة، الملتحي، مارك، والذي كان يلاعب شعرها من الخلف، وهذا من قبيل الحشد والتكديس لعدد لا متناه من الشخصيات كلها تعبّر عن موقف واحد هو استغلال غزالة، والتّعدي عليها؛ وبمعنى آخر أقول: طغت عليك اللغة واستفزتك وخانتك فبدأت بالسرد ولم تضع حسبانا لقارئك الذي أدخلته في حلقة مفرغة تدور فيها الشّخصيات حول نفسها مقارعة بالحوار والرد وهنا كنت تتكلمين وفي قلبك حزازة؛ بمعنى أنك تعاطفت مع غزالة الأنثى، وركزت على فضح البحارة خِلقيا ( ملتحي، أصلع) وخُلُقيا (فهم يشربون الخمر، ويتكلمون في أمور جنسية وغيها). ü ترنو القاصة من خلال قصتها إلى تثبيت وإرساء الخصال الحميدة التي لاتزال تحافظ عليها المرأة خصوصا في زمن الموضة ومواكبة الحضارة الغربية، وهو زمن للازمن، وهذا ما تتمتّع به المرأة العربية عموما والمرأة الأردنية على وجه الخصوص وهذا ما تجسّد في شخصية غزالة، وصدّها لأفعال وأقوال طاقم السفينة. وعليه أقول إن القاصة استطاعت تشخيص قضية اجتماعية حساسة من قضايا الواقع بطريقة سردية سهلة، بسيطة، تحاول من خلالها التأثير في المتلقي وتحديدا المرأة. ü أراك في قصتك تعاملين المرأة معاملة إيديولوجية -إما لأنك أنت امرأة- فلم أجدك في القصة كاملة تصفينها بأنها المذنبة أو المتهمة، فهي الضحية دائما، وهذه طريقة شائعة في الكتابات النّسائية التي لا أتواني في نعتها بأنها كتابات منحازة إلى الدفاع عن المرأة، وإثبات وجودها وصمودها. صحيح لكن لا تحكموا عن الرجال وتنظروا إليهم نظرة المسيئين والظالمين والمتعديين ، وهذه نقطة تناسلت من هذا الكلام أيضا فالرجل فيه شيء من الأنوثة (الحب الحنان، العطف.....)، وحقيق بنا الدفاع عن أنفسنا فليس الذكر كالأنثى. ü في نهاية القصة التفاتة جميلة وقد أقول هي نهاية البداية أو نقطة البدء والتي ستنجر عنها أحداث أخرى تمدد الحادثة كما تضمن لها الديمومة، وهذه هي القصة الناجحة التي تترك ما أصبح يعرف بالقفلة وهي نقطة محورية تمثل عصب القصص ولنتأمل قولك :"أسرعت نحو رقم بوابة المغادرة، جلست تضم ساقيها مدة خمس ساعات أخرى.. تنتظر
***********************
صديقي "جوزيف" (يوسف) أود أن أعرفك على أختي الجميلة "غزالة" القادمة من الشرق بهدف الزيارة... ولا يوجد عندي أي مانع إن أحببت الخروج معها، فهي ليست مرتبطة ..... !"
فالكلام في هذه المرحلة رتيب، متساوق، يشد بعضه بعض، مرحلة هدوء غزالة وانتظارها بعد الغضب الاستفزاز، إلى هنا مازالت النظرة العربية المحافظة تخفق رايتها، لكن بعد أن أتى أخوها مع صديقه وقد عرفه عليها ستبدأ حادثة أخرى تجعل النص مفتوحا ومستمرا، هذا فضلا على ما يضيفه التخييل والتأويل على هذا النّص ذي النفس الطويل، وهنا تتحقق اللذة وتكون المتعة، وينسجم النص مع صاحبه الجديد، القارئ الذي يفسره ويؤوله أو يعيش في كنفه ، فيعترف بأدبية الكاتب وقدرته التعبيرية، ويحكم على نصه بالجمالية والإبداع. وفي النهاية نقول: إن قصة "اختلاط" للكاتبة ريما ريماوي رائعة في أبعادها الرامية إليها، كما أنها مشوّقة ومغرية بما تزخر عليه من فنيات أسلوبية ولغوية وصور بلاغية، استحضرت فيها القاصة حادثة شاعت في بلداننا العربية بطريقة سردية حوارية جيدة، بلغت الهدف وحقّقت التأثير كما فطَّنت القارئ الكريم، والقارئة الكريمة بتخطي هذه الوقائع الشبيهة، وتوخي الحذر من مصاحبة الأنذال وعديمي الشرف، فالمظاهر خداعة واللسان مراوغ . فأستاذة رسالتك وصلت إلينا وكل ما قلتُه في هذا التحليل تراءى إلي من خلال قراءتي المتواضعة والمتطفّلة على حضرتك وهي لا تنقص من إبداعك شيئا، وإنما تزيده روحا وريحان وعبقا وجمالا كما تكسوه فنية ومتعة .

أنين ناي
يبث الحنين لأصله
غصن مورّق صغير.