عرض مشاركة واحدة
قديم 05-22-2013, 11:12 AM
المشاركة 47
احمد ابراهيم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأخ الفاضل ايوب ..

قبل الخوض فى تفاصيل أسئلتك الجيدة أعلاه ، اسمح لى ان أتحدث بشئ من التفصيل عن مفهوم التطور فى الدين الإسلامي ، و هو فى تقديري مما يعين على إجلاء الصورة ، و إجلاء الحوار و ذلك عندما نتكئ جميعا على ارض مشتركة ، هذه الأرض هى الفهم العلمى للإسلام لموضوع الخلق و التطور ..

فان قصة الخلق هى القصة التى يدور حولها القران ، فى مجمله ، و فى تفاصيله ، و إليها الإشارة بقوله تعالى : ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القران .. ) ، و إنما كانت أحسن القصص ، لانها قصة الإنسان ، و ليس فى الوجود الحادث غير الإنسان ، فى طور من تطوره .. و لانها سيرة الإنسان نالت هذه المكانة ، و بها أصبحت أكمل القصص ، فكل قصة سواها ، هى دون مداها ، لانها جزء منها ..

لقد صدر الوجود ، عن الله سبحانه ( هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شئ عليم ) ، و كونه الأول ، فان الشئ الثاني، لا بد ان يكون قد جاء منه، فان الله لم يخلقنا من العدم ، لانه ليس هناك شئ اسمه العدم ، قبل الله ، و لم يكن هناك شئ اسمه العدم بجانب الله ، ليخلق منه !!

فلم يبق الا ان الله تبارك و تعالى خلقنا من نفسه ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة !!)، و قد ذكر المفسرون الأوائل ، ان النفس الواحدة ، هى نفس ادم عليه السلام ، و هذا بطبيعة الحال ، يصح فى المعنى القريب ، و لكن ادم نفسه من الناس ، و هو مخاطب بهذا الخطاب القرانى مثلهم ، و هو قد خلق من النفس الواحدة مثلهم ، ثم ان نفس ادم ليست واحدة ، لانه منقسم، و موزع بالمخاوف ، إنما النفس الواحدة هى نفسه تعالى...

ما دامت البداية ، هى وجوده سبحانه و تعالى .. و قد نعى الله على المشركين ، ظنهم بانهم خلقوا من العدم - من لا شئ - فقال تعالى ( أم خلقوا من غير شئ ؟ أم هم الخالقون ؟! ) . ان التوحيد ، يقوم فى أساسه ، على ان الذات الإلهية ، هى اصل الوجود ، و مصدره ، و بها قيومية كل شئ ، و إليها مصير كل شئ ..

و الذات الإلهية "مطلقة" ، لا يلحق بها قصور ، و هى فوق كل وصف ، و لكن الله تعالى ، بمحض فضله، تنزل من صرافة ذاته ، إلى منازل أسمائه ، و صفاته ، و أفعاله .. ثم انزل القران ليحكى هذه التنزلات ، لكى يعرفه عباده ، فيسيروا إلى عتبة ذاته ..

فمن حيث الوجود ، الذات الإلهية هى وحدها الموجودة بذاتها ، و كل ماعداها ، و من عداها ، ليس موجودا الا بها ، و ليس معها ..

هذه الحقيقة التوحيدية ، تفيد بان الله تعالى ، هو مرجعية كل شئ فى الوجود .. و من هذه الحقيقة ينبثق كل شئ و إليها يعود ..

فالوجود اصله واحد ، و مصدره واحد ، و القانون الذى يحكمه واحد ، لا خلاف فى شئ من ذلك فى الحقيقة ، و كل خلاف يوجد ، إنما هو خلاف من حيث التنزل ، و الظهور ..

فالاطلاق إذن ، هو اصل الوجود كله ، و اليه مصيره .. و ما التقيد و المحدودية ، الا شكل من أشكال تجليات المطلق .. اما المطلق فى ذاته ، فيتسامى عن كل قيد ، أو حد ، أو تصور ، و ذلك لمكان كماله ، فهو لا يلحق به النقص أو العجز فى اى صورة من الصور ..

تنزلت الذات من صرافتها ، إلى مرتبة الاسم ، ثم مرتبة الصفة ، ثم مرتبة الفعل .. فبذلك ظهر الحادث من القديم ، و المحدود من المطلق ..

فالله تعالى : عالم و مريد و قادر ، و هو تعالى ، علمه قديم ، و إرادته قديمة ، و قدرته قديمة .. و هو تعالى لا يعلم بجارحة كأحدنا ، و إنما يعلم بذاته ، و يريد بذاته ، و يقدر بذاته ، و هو لم يصنع العالم من مادة سابقة ، و إنما صنعه من لدنه ..

فالخلق هو الإرادة الإلهية تجسدت .. و هذا هو معنى التنزل من الإطلاق ، فالكون الحادث فى الإسلام ، يقع فى ثلاثة عوالم ، عالم الملكوت من أعلى ، و عالم الملك من اسفل ، و عالم البرزخ فى الوسط ..

و عالم الملكوت عالم لطائف ، عالم أرواح .. و عالم الملك عالم كثائف ، عالم مادة مجسدة ، تتأثر بها حواسنا .. و عالم البرزخ عالم المزج بين اللطائف و الكثائف ..

عالم العقول التى ركبت فى الأجساد ، لتحيل كثافتها إلى لطافة .. و هذا هو عالم الإنسان .. و الوحدة هى السلك الذى ينتظم هذه العوالم جميعها .. و هذا يقودنا للحديث عن وحدة الوجود . وحدة الوجود :- العوالم التى ذكرناها أعلاه ، الاختلاف بينها اختلاف مقدار ، اختلاف درجة ، و ليس اختلاف نوع ، فمرجعية التوحيد تمنع اختلاف النوع منعا باتا ، و هذا هو معنى قوله تعالى ( ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت ) ..

فالتفاوت فى الدرجة و المقدار أو المظهر ، موجود ، و لكنه ليس تفاوت نوع ، ليس تفاوتا فى اصل طبائع الأشياء ..

و حسب هذه النظرة التوحيدية، لا يوجد اختلاف نوع بين المادة و الروح ، فالمادة كما سبق ان قررنا هى روح فى درجة من الذبذبة تتأثر بها حواسنا، و الروح مادة فى درجة من الذبذبة لا تتأثر بها حواسنا ، على النحو المألوف ..

فالمادة و الروح مظهران لشئ واحد ، الاختلاف بينهما اختلاف فى الكثافة و اللطافة ، أو اختلاف فى مستوى الذبذبة ..

فصورة المادة التى نألفها و نعرفها ، و التى يقوم عليها جوهر الحضارة الغربية كما أسلفنا ، هى وهم من أوهام الحواس ..

أقول صورة المادة ، التى نألفها و نعرفها ، و اعنى صورتها و ليست حقيقتها ، لان حقيقة المادة هى إرادة الله ..

و لذلك لا بد من التمييز بين مظاهر الأشياء ، و حقائق الأشياء ..

و على هذا التصور ، الوجود الحادث ، هو إذن وحدة .. و وحدة الوجود فى الإسلام تعنى انه ليس فى الوجود الا ذات الله ، و أسماؤه ، و صفاته ، و أفعاله ..

و لذلك كل شئ فى الوجود ، له دلالة واحدة ، و معنى واحد .. و كلمة "معنى" تفيد ما يدل عليه الشئ ، و يقود اليه ..

فالمعنى الجامع الشامل لكل ما فى الوجود ، هو الله ، فكل شئ ، و كل حدث ، هو يشير إلى الله ، ويدل عليه ، بصورة من الصور ..

فالوجود إذن واحد فى حقيقته ، متعدد فى مظاهره .. و المظاهر هى تجلى الذات .. و الذات لكمالها ، لا تتجلى لذرتين فى الوجود ، تجلى واحد .. فالذات لا تكرر نفسها ، فالتكرار فى حقها نقص ، تتعالى عنه علوا كبيرا ..

فالخلق جميعهم متساوون فى مبدأ الدلالة على الله ، و هذا معنى قوله تعالى ( ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت ) .. و إنما ياتى التفاوت .. من حيث البعد و القرب فى الدلالة ..

وفى اتجاه وحدة دلالة الخلق على الخالق ، يجئ قوله تعالى : ( و ان من شئ الا يسبح بحمده ، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ) .. قوله " و ان من شئ الا يسبح بحمده " تعنى ما من شئ الا و هو دال على الله ، بتسبيحه ، و تنزيهه .. قوله " و لكن لا تفقهون تسبيحهم " يعنى فيما يعنى ، أنكم لا تدركون وحدة تسبيح الخلق على تنوعه ، لأنكم مشغولون بمظهر التعدد عن وحدة الدلالة .

فالكون الحادث طبيعته روحية ، و مظهره مادى .. و الروح منه هى الأصل ، و المادة فرع " مظهر " .. ذلك ان اللطافة هى الأصل .. اللطيف هو الأصل و الكثيف مظهره ، هذا بالنسبة لكل شئ ..

فالطاقة بالنسبة للكون المادى ، هى الأصل ، و المادة مظهرها ، هذا الأمر سينبنى عليه الكثير .. و مما ينبنى عليه ، تصحيح وهم ساد الفكر البشرى لفترة طويلة ، و لا يزال قائما ..

هذا الوهم هو المادية ، فى الفكر ، و فى الفلسفة ، و فى الحياة ..

فقد ظل الأمر السائد فى الفلسفة إلى وقت قريب ، انه لا وجود الا للمادة التى تدركها حواسنا ..

و على الرغم من ان العلم التجريبي المادى نفسه، توصل إلى خطا و خطل هذا الراى، منذ بداية القرن العشرين، عندما توصل أنشتاين إلى نظريته فى التكافؤ بين المادة و الطاقة ، الا انه عمليا ، لا يزال التفكير المادى هو السائد ، و لكن لم تعد له السطوة القديمة ، و الغرور القديم ..

اما بالنسبة للحياة ، فقد تكون سطوة المادية قد زادت !!

على كل ، لا تزال الحياة المادية ، فى الحضارة الغربية ، هى الغاية ، و كل ما سواها وسيلة إليها ...

يتبع