عرض مشاركة واحدة
قديم 05-18-2013, 05:08 AM
المشاركة 45
احمد ابراهيم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
انا على يقين تام ، ان هذه التحديات و الأشواق ، لا تجد الاستجابة الحقيقية لها إلا فى "التوحيد الإسلامي" كإطار مرجعي ، و هذا ما سنبينه فى حينه .

اما ألبرت شفايتزر فيقول من كتابه " فلسفة الحضارة " ، " و الأمر الثاني الذى اود ان يتداوله الناس ، هو أمر العلاقة بين الحضارة ، و بين نظريتنا فى الكون ، و هى علاقة لا يعيرها احد التفاتا فى الوقت الحاضر ، فان العصر الذى نعيش فيه يعوزه إدراك أهمية الظفر بنظرية فى الكون ، فان الاعتقاد العام ، سواء لدى المتعلمين أو غير المتعلمين ، هو ان الإنسانية ستتقدم على نحو مرض تماماً ، دون الحاجة إلى اى نظرية فى الكون على الإطلاق ، و الواقع ان كل تقدم إنسانى يتوقف على التقدم فى نظرية فى الكون، و على العكس نجد ان كل انحلال سببه انحلال مماثل فى نظريته فى الكون،

وقتما يتهيأ لنا الوصول إلى نظرية قوية و ثمينة فى الكون ، نجد فيها اعتقادا قويا ثمينا ، هناك فقط يكون فى وسعنا إيجاد حضارة جديدة " ..

و يقول " لكن الأمر الذى أرجوه قبل كل شئ - و هذا هو جوهر المسالة كلها - هو انه ينبغى لنا ان نعترف بان افتقارنا الكامل الآن إلى اى نظرية فى الكون ، هو المصدر الأخير لكل الكوارث و ألوان الشقاء التى يعج بها العصر الحاضر،

و لهذا يجب ان نعمل معا لإيجاد نظرية فى الكون و فى الحياة ، حتى نستطيع بذلك ان نصل إلى مستوى عقلى يجعلنا متمدنين فعلا و حقاً " ..

اما وايتهيد فيقول " ان الإنسانية تستطيع ان تزدهر فى المراحل الدنيا من الحياة بواسطة لمحات بربرية ، من الفكر فحسب ، و لكن عندما تبلغ المدنية ذروتها ، فان عدم وجود فلسلفة متسقة تكون منتشرة فى الجماعات كلها ، يؤدى إلى الانهيار والملل و تراخى الجهد " ..

بالطبع الهدف للحياة ، لا يغيب عن الإنسان بصورة كلية ، فالإنسان كائن هادف ، لا يعمل إلا لغاية متصورة عنده ..

فالغائية تدخل فى حياة الإنسان ، فى كل كبيرة و صغيرة ، و من هنا تأتى الأهمية القصوى للمعنى ، و الهدف للحياة ..

و هو هدف نزعم ان الإطار المرجعى للحضارة الغربية لا يمكن ان يعطيه، و هو الهدف الكلى، الشامل ، و المتسق مع طبيعة الوجود، و طبيعة الحياة، و هذا ما عناه المفكرون الذين أوردنا بعض أقوالهم ..

اما الأهداف الآنية المحدودة ، فلا يخلو منها احد ..

و عن كلية الهدف يقول كولن ولسون " ان ما يجب على الإنسان ان يفعله ، هو ان يحاول ان يفهم العالم ، و ليس العالم ما يحيط به من كون فقط ، و إنما هناك كون آخر ، خلف عينيه أيضاً ..

و كل ما يحتاج اليه الإنسان ، هو ان يفترض شيئا ليعمل على ضوئه .. ان يؤمن بشئ ليمنحه ذلك هدفا ، و المحك الأخير لقيمة هذا الإيمان ، هو إلى اى حد يستطيع على ضوء مثل هذا الإيمان ان يعمل ؟

لقد كان الإسكندر الأكبر يؤمن بشئ منحه قوة هادفة هائلة ، إذ امن بانه سيحكم العالم كله ، و لما حكم العالم ، جلس يتساءل يائسا : ماذا افعل الآن ؟

اجل ، هذا هو محك كل إيمان .. فإذا انتهى مفهوم الهدف عند حد معين ، فانه ليس هدفا حقيقيا ، إذن ليس هدفا نهائيا ،

و لكن الدين يمنح الإنسان هذا الهدف النهائي ، الهدف الذى لا ينتهى حتى لو عاش مليونا من السنين " .. هذا ما قاله كولن ولسون ،

اما نحن فنقول : ان الهدف النهائي ، لا ينتهى حتى ما بعد الموت ، و لا يكون هدفا نهائيا ، حقيقيا ، إلا إذا اشتمل على ما بعد الموت !!!

ما تقوم عليه الحضارة الغربية من إطار مرجعي ، سواء فى الفهم الذى تعطيه العلوم التجريبية ، أو فى العلمانية ، أو مفهوم اللبرالية أو الرأسمالية ، بعيد كل البعد ، عن ان يعطى مثل هذا الهدف النهائي ، و هذا ما أوردنا بعض أقوال مفكرى هذه الحضارة فى التدليل عليه ..

فالعلمانية تقوم على معرفة الكون ، و الانشغال بالحياة الدنيا ، و الدين يقوم على معرفة الله ، و معرفة الكون فى الدين وسيلة إلى معرفة الله ، و طرف منها ..

كما انه فى الدين الحياة الدنيا ، وسيلة إلى الحياة العليا ..

و هى حياة مطلوب ان تعاش هنا فى دورة هذه الحياة .. يقول تعالى عن المعرفتين : ( وعد الله لا يخلف الله وعده و لكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون ) ..

" يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا " هذه هى العلمانية ، و ما يمكن ان يعطيه الإطار المرجعى الذى تقوم عليه الحضارة الغربية ، و لا تستطيع ان تتعداه باى حال من الأحوال .. فالعلمانية تقوم على توكيد الحياة الدنيا ، وحدها ، و على العقل الذى يشكله هذا التوكيد ..

و الحياة الدنيا ليست هى الحياة ، و إنما هى وسيلة للحياة ، فبالتوكيد عليها ، بل و القصور عليها ، جعلت الحضارة الغربية الوسيلة فى مكان الغاية !!

و هى فى النظام الرأسمالي السائد ، وظفت نشاط الإنسان كله فى سبيل هذه الوسيلة ، على اعتبار أنها الغاية الوحيدة لكل صور النشاط الفكرى و الحياتى ..

و أصبحت بذلك حياة الإنسان كلها مبنية على الإنتاج و الاستهلاك .. و الاستهلاك لم يعد مجرد نشاط بشرى ، و إنما اصبح نمط حياة !! بل و نمط الحياة الأساسي الذى يوجه كل نشاط الإنسان !!

فنموذج الإرشاد المطلوب ، ينبغى ان تنطبق عليه المواصفات التى تحدثنا عنها، حتى تقوم الحلول التى تنبنى عليه ، باستيعاب طاقات الحياة المعاصرة ، بإعطائها المعنى و الهدف الكلى الشامل ، و الذى ينسجم مع طبيعة الوجود ، الروحية و المادية أيضاً ..

و الحضارة الغربية بطبيعتها، يستحيل عليها ان تقدم، نموذج الإرشاد هذا المنشود ..

وهو لا يتوفر إلا فى الإسلام ، وحده ، دون غيره من الأديان و الأفكار و الفلسفات ..

و لكن الحضارة الغربية بانجازاتها العظيمة فى مجالات العلم و التكنولوجيا، استرهبت عقول المسلمين، فانصرفوا عما عندهم من جوهر، إلى ما فى هذه الحضارة من بهرج ، فاصبحوا يعيشون على قشور من الإسلام وعلى قشور من الحضارة الغربية !!

و الحضارة الغربية جوهرها فاسد ، خل عنك قشورها ..

يتبع