الموضوع
:
قهوة مرّة ..~
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
18
المشاهدات
9086
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 2
المشاركات
1,174
+
التقييم
0.25
تاريخ التسجيل
Sep 2012
الاقامة
بين الألف والياء
رقم العضوية
11559
05-02-2013, 12:54 PM
المشاركة
1
05-02-2013, 12:54 PM
المشاركة
1
Tweet
قهوة مرّة ..~
قهوة مرّة
بائع متجول يضع دله كبيرة من القهوة على ظهره ، يتنفس ببطء ، ربما هو بحاجة لكمية أكبر من الأوكسجين ،
خلف أذنه تقبع سيجارة مجعدة صنعها بنفسه بعد أدائه لصلاة الفجر .
هو نشاطه المعتاد في كل يوم ، يمشي في الطرقات و بين الأزقة المكتظة بالبشر .
في كل صباح معتادون هم على رؤيته ببزته العتيقة وشعره الأبيض الناعم ،
بابتسامة عريضة يأكل شاربه الكثيف نصفها يستقبل زبائنه .
يشربون قهوة الصباح المرّة من دلته النحاسية اللامعة ثم يقدمون له ما تيسر من المال ،
هو لا يفرض عليهم سعر لقهوته المحببة لديهم ، فقهوته ذات مذاق حميمي كفيل بأن يدر عليه أرباح جيدة .
هو ليس بحاجة للمال ، لكنه يستمتع بأن ترسم قهوته بمذاقها المرّ ابتسامة الصباح على وجوههم .
درس مهم يعلمه لهم في كل صباح :
( قهوتي ... رغم مرارتها يا أبنائي ، إلا أنها تبعث في نفوسكم الدفء ،
لتخرج لي ابتساماتكم باسطة ذراعيها للحياة في كل صباح .. حلاوة الأشياء تكمن في ذروة مرارتها ) .
وجوم ما يخيم على المكان ، الصباح عابس هذه المرّة ، والضباب يحجب الرؤيا ،
كل الأشياء تبدو منهكة وجامدة هذا الصباح ، حتى ابتسامته التي لا تفارق ملامحه العجوز .
جلس على حافة الرصيف المبلل ، وضع دلة القهوة إلى جانبه ، ثم رمقها بعيون دامعة وابتسامة شبه مرئية .
كان طوال تلك السنين يختبر صبر البشر ، فيزيد في كل مرّة مرارة قهوته ،
إلا أنهم لا ينفكون عن شرائها واحتسائها نصب عينيه !
في هذه المرّة زاد مرارة قهوته بصورة مبالغة ، لكن .. هناك شيء مختلف هذا الصباح ..
فالسماء خاوية و الأرض مبللة والضباب يغلق نوافذ الأمل .. !
مَن سيجرب قهوته شديدة المرارة هذه المرّة ؟ لا يوجد أحد .
تفحص المكان جيدا ثم نظر إلى نفسه ، هو من سيجرب ولأول مرة قهوته بنفسه !
تناول كوب من الفلين ، ملأه بالقهوة ثم تناول سيجارته المجعدة من خلف أذنه ،
أشعلها وبدأ رويدا يمتص سمها المحبب إليه .
نظر بإمعان إلى سواد القهوة وتعجب من أمر زبائنه ،
كيف يستطيعون ابتلاع قهوته !
رشفة قهوة واحدة كانت كفيلة بأن تأخذه في نوبة هستيرية من الضحك ،
بعد أن اكتشف أن طوال كل تلك السنوات لم تكن قهوته المرّة سوى قطعة سكر تكسر مرارة الأيام .. !
انتهى.
أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!
رد مع الإقتباس