آدابُ التَّوْبةِ أن التوبة من المعاصي أول طريق الســالكين إلى الله تعـــالى ، وهي رأس مال الفائزين ، ومفتاح استغاثة المريدين ، وأصل نجاة الناجين وقد وردت الآيات والأخبار الصحاح في فضل ذلك ، ويكفي مدحاً لها قول أصدق الصادقين في كتابه الكريم : { إن الله يحب التوابين } . البقرة /222 وقول النبي الأكرم ِ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) : التائب من الذنب كمن لا ذنب لـه . وقد ذكرتْ معان عديدة للتوبة ، فمنها : المعنى الفقهي : وهو ترك المعاصي في الحال ، والعزم على الترك في الاستقبال ، وتدارك ما يمكن تداركه في المآل . ومن معانيه : خلع لباس الجفاء ، ثم نشر بساط الوفاء . ومن معانيه : مطلق الندم . وعلى أي حال ، لا إشكال في وجوبه عقلاً وشرعاً بلا تأمل ، إذ لو علمت انحصار السعادة الحقيقية الأبدية في لقاء الله تعالى ، لعلمت أن المحجوب عنه شقي محترقٌ بنار الفراق في دار البوار ، ومن المعلوم أن من أغلظ الحجب : حجاب اتباع الشهوات وارتكاب السيئات ، لكونه إعراضاً عن الله تعالى بمتابعة الشيطان والهوى ، بل بعبادتهما في الواقع ، لما روى من أنه : من أصغى إلى ناطق فقد عبده . ولعلمت أيضا أن الانصراف عن طريق البعد للوصول إلى مقام القرب واجب ، ولا يتم الانصراف إلا بالأمور الثلاثة المذكورة في معنى التوبة ، وقد تقرر في محله أن مقدمة الواجب واجبة عقلاً وشرعاً ، نظراً إلى الملازمة بينهما ، كما أن وجوبه أيضا فوري كما لا يخفى . فكما أن شارب السم لا بد له من إخراج السم من بدنه فوراً بقيءٍ أو بغيره وإلا سبّب له الهلاك الدائم ، فكذلك الأمر في سموم المعاصي ، فلو تساهل في التوبة منها ، فسيحل عليه الهلاك ويختم له بالشر ، وقد كانت عمدة خوف الأنبياء والأولياء من سوء الخاتمة. فالبدار البدار !. يا إخوان الحقيقة وخلان الطريقة إلى التوبة الحقيقية ، قبل أن تعمل سموم الذنوب في روح الإيمان بما لا ينفع بعده الاحتماء ، وينقطع عنه تدابير الأطباء ، ويعجز عن التأثير فيه نصح العلماء ، وتكونوا من مصاديق قوله تعالى : { وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } . يس/9 ثم اعلموا أيها اأخوة أنكك لا تخلو من المعصية في جــوارحك من : الغيبــة ، والإيـذاء ، والبهتـان ، وخيـانة البصـر وغيـرها من صنـوف المعاصي ، ولـو فـرض خلـوك منها ، فإنك لا تخلو عن الرذائل في نفسك والهمّ بهـا ، وإن سلِمت منها فلا أقل من الخواطر المتفـرقة المذهلة عن ذكر الله ، ولـو سلِمت منها أيضاً فلا أقـل من الغفلة والقصـور في معـرفة الله وصفات جمـاله وجلاله وعجائب صنعه وأفعـاله ، ولا ريب في أن كل تلك الأمور ، من موجبـات النقص التي ينبغي تداركهـا ، ولذلك وجبت التوبة في كل آنٍ من الآنات . إذ قــال أشرف المخلوقات صلى الله عليه وآله : إنه ليغان على قلبي ، حتى استغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة . فإذا عرفت معنى التوبة وضرورتها ، والتفت إلى أن تركها يعني الإصرار على الذنب ، فاعلم أن الله تعالى إنما يقبل التوبة الصحيحة بشروطها ، ومنها غسل وسخ القلوب بالدموع ، بعد اشتعال نيران الندامة فيها . وكلما زادت نيران الندم اشتعالا كلما تحقق الأمل بتكفير الذنب ، وبذلك تتحقق علامة الصدق في التوبة. وعليه فلا بد من تبديل حلاوة الشهوات بمرارة الندم ، ليكون علامة على تبدل السيئات بالحسنات . ومن هنا قالوا أنه لا بد من إذابة اللحم الذي نبت على الحرام ، فهو لحمٌ فاسد ومفسد للصحيح . ولا بد من تعلق قصده بترك كل مُحرّم ، وأداء كل واجب في الحال وفي الاستقبال إلى أن يلقى ربه ، كما أنه لا بد من تدارك ما قد فاته في سالف أيامه . إن على التائب أن يستقصي في نفسه عالم ما قبل البلوغ وحين البلوغ وبعد البلوغ ، لينظر إلى تصرفاته في أموال الآخرين ، سواء كانت بعمد أم خطأ ، مكلفاً كان أو غير مكلف . فإذا كان حقـاً ماليـاً ووجـد صاحبه - ولو كان وارثا - استحل منه ، وإلا رد تلك المظلمة حين القدرة والاستطاعة . ثم ينظر في الطاعــات ، فمـا ترك منهـا يلتزم بقضائها وكفارتها . ثم ينظـر إلى الحقـوق الشرعية كالخمس والزكاة وما في ذمته ، فيوصـلها إلى مصارفهـا الشرعية لئـلا يبقى في حياته ما يحتاج إلى تداركٍ وتعويض ، فإنه لو مات على تلك الحالة أُبتلى بالعذاب الأليم . عاشق العراق 23 - 3 - 2013