التعامل مع الدنيا إن تعامل الناس بالنسبة إلى الدنيا ، على نوعين : هناك قسم توطدوا بالدنيا ، ورضوا بالمتاع العاجل . وبتعبير القرآن : { اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا } . وهناك قوم انقطعوا إلى الآخرة، وأهملوا الدنيا؛ أي لا يشتغلون للدنيا، فهم غير فعالين فيها، ويغلب عليهم الذكر اللفظي مثلا، ولا يبالون لا بمجتمعهم ولا بأسرهم . وهذه أيضا حالة مرفوضة. إن الكلمة الفصل في هذا المجال لأمير المؤمنين ( عليهِ السَّلام ) : ( إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) . إنه تعبير رائع جدا !. فالمؤمن يستثمر كل ما لديه من طاقات وقدرات ، لتثبيت دعائم الحياة المادية . والمؤمن من اهتماماته في الدنيا ، أن يجمع مالا وفيرا ، ليوقف بها أمرا ماديا ، يكون له زادا في عرصات القيامة . ( إذا مات ابن آدم ، انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولدٍ صالح يدعو له ) . من هم أصحاب الصدقات الجارية ؟. هم أصحاب المال ؛ فالمؤمن الفقير : رأس ماله الدعاء ، والصبر . أما المؤمن الغني : هو الذي بإمكانه أن يبني ما يكون له صدقة جارية ، وأن يتكفل الأيتام . فإذن ، إن الدنيا مزرعة الآخرة . في عالم الزراعة : كلما اتسعت الرقعة المزرعة ، كلما زاد المحصول . وكلما زاد المحصول زادت الزكاة الواجبة لذلك المال . وبالتالي ، فإن الدنيا إذا أصبحت في يد أمثال سليمان ، تصبح نعم العون على الآخرة !. إن الإمام ( عليهِ السَّلام ) يقول : ( واعمل لآخرتك ، كأنك تموت غداً ) . إن المؤمن قد لا يخشع في صلاة الصبح ، وقد لا يخشع في صلاة الظهر؛ لأنه يكون في قمة الانشغال اليومي . أما في خصوص صلاة العشاء ، فإن لها حالة خاصة . وذلك لأن الإنسان عندما يصلي صلاة العشاء ، يصلي صلاة المودع ، فهي آخر فريضة لهذا اليوم ، وبعدها سوف ينام ، والله تعالى يقول في كتابه الكريم : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ؛ فالموت والنوم أخوان قريبان . من أين للإنسان الضمان أن الله يرجع له الروح بعد النوم ؟. ولهذا عندما يستيقظ من النوم ، يخر ساجدا لله ويقول : ( الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني ، وإليه النشور ) . فالعبارة حقيقية !. إن بعض الحجاج مع الأسف يحجون حجة ، هم لا يرضون بها ، على أمل الحج السنة المقبلة !. من قال أنه سيوفق لذلك ؟. لذا عليه أن يحج حجة مودع ، وفي ليلة القدر كذلك عليه أن يقوم بأعمال مودع . ومعنى قول الإمام ( عليهِ السَّلام ) : ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) بعبارة أخرى : ( ليس الزهد ألا تملك شيئًا ، ولكن الزهد ألا يملكك شيء ) . مثلا : هناك فقير له عصا وله سبحة ، ولكن قلبه متعلق بهما ؛ فهذا الإنسان عابد للدنيا . وهناك إنسان آخر عنده مصانع كثيرة ، ولكن قلبه غير متعلق بها ؛ فهذا الإنسان زاهد بالدنيا . عاشق العراق 20 - 3 - 2013