عرض مشاركة واحدة
قديم 08-28-2010, 09:23 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

مرحبا الصديقة الأستاذة هند طاهر
وأنت على الرحب والسعة دوما ,

ويبدو لى أنك أخطأت الرؤية قليلا ,
واسمحى لى بالإيضاح مع كامل التقدير ,
ما مصلحة الاستاذ هيكل بانكار تاريخ ووقائع مشرفه لبلده؟
ام ان قناة الجزيره ترتأي ذلك ؟!
ليس معنى أن الأستاذ هيكل أخطأ واختلفنا معه في واقعة أو وقائع محددة أنه ينطلق من نظرية المؤامرة أو أنه يقصد ذلك
الرجل أحرص منا جميعا على تاريخ بلاده الذى شارك في صنعه
وإذا أخطأ في واقعة فليس معنى هذا أنه يقصد التقليل من منجزات عصره
لا سيما أنه منظر الناصرية وصاحب أكبر عطاء فيها , وعملية الجمال تمت كلها في عهد عبد الناصر ,
فلو كان الرجل يهدف للتشويه لما فعلها
وإنى أرى إنكاره لقصة الجمال شهادة له أنه يبحث عن الرواية الحقيقية للأحداث والتى تستند إلى أدلة قاطعة
وقد رأى ـ بناء على التقرير الذى في يده ـ أن الواقعة غير حقيقية ولم يحسن الذين ردوا عليه في جلب الأدلة الصحيحة ,
وليس عيبا أن تكون بعض المعلومات قد غابت عنه وهو يطرح تحليله ,
وهو أمر منطقي وطبيعى ,
وقد سبق أن أخطأ هيكل وهو يعدد أخطاء النظام المصري الحالى عندما أخذ يحسب إنجازاته في البنية الداخلية ويقارنها بكثرة الموارد فحسب مشروع مترو الأنفاق كمشروع أنفقت عليه الدولة
ولم يكن هذا صحيحا ,
وإنما مشروع مترو الأنفاق وتكلف ستة مليارات دولار تم إنشاؤه بنظام عقود ( bot ) وهى أسلوب اقتصادى عالمى تقوم به الشركات الكبري في الدول صاحبة المشاريع وتقوم تلك الشركات بتحمل تكاليف المشاريع نظير حق إدارتها لمدة عشر سنوات وتحصيل أرباحها في تلك الفترة وبعد ذلك تعود ملكية المشروع للدولة
فلم يعلم هيكل بتلك المعلومة واحتسب تكاليف مشروع مترو الأنفاق أنجزتها ووفرتها الدولة ,

الأمر الآخر الهام ,
أنه حتى لو كانت قناة الجزيرة لها سياسة معينة ضد مصر أو ضد النظام المصري , فلم تكن لتجبر هيكل على اتباع هذا الخط ومشكلتنا الحقيقية أننا نسارع في الإتهام بلا تحقيق
محمد حسنين هيكل ليس بالشخص الذى يصلح لهذه اللعبة أبدا ولا يمكن أن يتعرض لضغوط
ليس فقط لأنه لا يتقاضي مقابلا ماديا لحلقاته ولا يحتاجه ,
بل لأن منهجه كواحد من أكبر محللى السياسة في العالم لا يمكن أن يخضع لضغط وهو معروف في الساحة العالمية وكتبه موضع إهتمام الباحثين ودوائر السياسة والجامعات العالمية ,
وما كان ليحصل على هذه المكانة قط لو كان يخون أمانته العلمية مقدار خردلة
والرجل له تجربة .. بل تجارب في مقاومة الضغوط .. تجارب شهيرة وكبيرة
وأشهرها أنه تعرض للإعتقال والإطضهاد طيلة عشر سنوات إبان حكم الرئيس السادات وبعده بعدة سنوات وتم منعه من الكتابة داخل مصر وحظر كتبه نتيجة لموقفه من السياسة المصرية في عهد السادات تجاه الولايات المتحدة
ونجم عن ذلك إبعاده عن الأهرام وهى روح هيكل التي كان يعيش بها
وتم إبعاده عن لعبة السياسة بعد أن ظل فيها لثمانية عشر عاما ,
وقبل تلك التضحيات عن طيب خاطر في سبيل عدم تغيير قناعاته ,


وتجاوزت المدفوعات لتشويه التاريخ العربي , ولكل من يسعى لتشويهه الخمس الايراني؟!
هناك ملحوظة هامة أتمنى أن تعيها وأنت تقرئين لهيكل ,
ليس هناك إنسان على وجه الأرض بعد الأنبياء من الممكن أن يتخلى عن ضعفه تجاه هواه في قضية معينة
لابد أن يتملكه الهوى تجاه قضية بعينها ,
والمصداقية تتحدد بناء على مقاومته النسبية لهذا الهوى
ولهذا
فإننا لا يمكن أن نحكم على كاتب أو مفكر أو شخصية عامة بالسقوط وندعو إلى تركه وعدم الأخذ عنه وإهماله إلا إذا كان انطلاق قلمه وفكره مبنى على قصد وعمد التشويه أو العمالة للغرب
أما الكتاب والمفكرون الذين يتبنون آراء وإتجاهات معينة ـ مهما كانت خاطئة ـ لكنهم يتبنونها من منطلق فكرى ويظنونها صوابا فهؤلاء نتفادى مواضع الهوى في كتاباتهم ونأخذ الباقي
لكننا نعرف لهم أقدارهم ولا نسقطهم
ومنهم هيكل ,
قلت وأكرر دائما أن هيكل عبارة عن ثروة معلومات وثروة أفكار وتحليلات ,
من الممكن أن نختلف معه في قناعاته كيفما شئنا ونرفض تحليلاته التي يبنيها على المعلومات كما شئنا
لكننا لا يمكن أن نشكك في مكانته كأعظم محلل سياسي في العصر الحديث , وككنز معلومات لولاه لما تمكنا من فهم لعبة السياسة الدولية
وهيكل له أهواء منها الناصرية ومنها موقفه المؤيد للثورة الإيرانية والتى يراها حليف مفقود للعرب
نحن نختلف معه في تلك القناعات , لكن لا نعتبره بقناعاته تلك عدوا أو عميلا ,
فالرجل ضعيف تجاه عبد الناصر وهذا مقبول لأنه كان شريك التجربة
وضعيف تجاه الثورة الإيرانية لأنه لا يمتلك خلفية دينية تمكنه من معرفة أسرارها ولهذا جاء حكمه عليها مشوها لأنه لا يعتبر الدين سببا أو أرضية لاتخاذ المواقف ,
غير أنه في نفس الوقت يمتلك المصداقية الكاملة التي تؤهله كمصدر معلومات ووثائق لا حصر لها ,
ويكفي أن تعلمى أنه بالرغم من كونه الأب الشرعي للناصرية إلا أنه لم يخن أمانته التاريخية وسجل تجربة عبد الناصر كاملة بوثائقها ,
قد يكون تحليله لأخطاء التجربة غير مقبول عندنا
لكنه التزم الأمانة في عرض الوقائع وهذا يكفيه , ومن هنا تنبع أهمية هيكل
فلولا هيكل لما تمكن خصوم عبد الناصر من معرفة أخطاء التجربة أصلا ولا تمكنوا من امتلاك دليل عليها
وهذه شهادة في صفه تنفي عنه قصد أو تهمة التواطؤ في موضوع رفعت الجمال
لهذا دعونا نضع الخطأ في حجمه باعتباره غياب معلومات لا أكثر ,

وأخطاء هيكل مهما بلغت لا يمكن أن تقلل من حجمه ونحن نتمنى أن تستمر حلقات برنامجه إلى ما لانهاية لأنه لا يحكى عن تجاربه الشخصية من منطلقها الشخصي
بل يروى ويسجل كل ما أتيح له من وثائق وحقائق
وعلينا نحن أن نحمد له ذلك ونقبل منه هذا التاريخ العريض ونقوم بدورنا الواجب وهو قراءة الوثائق والتحليلات بناء على معالجتنا لها
وليس شرطا أن نتفق معه في تحليلاته أو نختلف ,
لكن في نفس الوقت يجب أن نعرف له قدره وننزله في مكانته التي يستحقها ,
وأخيرا :
في مجالات العلم والثقافة والسياسة لا يصح أن نتعامل بعاطفة الكراهية أو الحب
لأن العاطفة بطبيعتها تصدر أحكاما متطرفة بالرفض المطلق أو القبول المطلق
وهذا ـ في رأيي ـ أبشع خطأ يرتكبه كل من يتصدى للمجال الثقافي ,
فيجب أن نتعامل بالعقول ـ لا القلوب ـ في تلك المجالات
فنقبل الحق من كل أحد ولو كان قائله يهوديا ,
ونرفض الباطل ولو كان قائله إمام من أئمة المسلمين
وهذا متحقق حتى في مجال الدين فما بالنا بمجالات الدنيا كالسياسة والتاريخ
ولنا في السلف الصالح أسوة حسنة ,
كانوا يقبلون رواية المبتدع بشرط ألا تكون له مصلحة في تلك الرواية ,
ويرفضون رواية العالم إذا كان له هوى أو دفعته عاطفته لشهادة غير صحيحة ,
وأنا أعتبر نفسي ـ كطالب علم صغير ـ واحد ممن يختلفون تمام الإختلاف مع الناصرية والشيوعية والعلمانية وسائر المذاهب البشرية ,
ومع ذلك تمتلئ مكتبتى بكتابات هؤلاء جميعا وأقبل منهم الآراء التي لها دليل والوقائع التي لها وثائق
ولا أدع رفضي لهذه المجالات يمنعنى من مطالعة كل مكتوب حتى يمكننى الحكم على بصيرة ,
فالكاتب أو المثقف الحقيقي هو الذى يسمو فوق الإنتماءات المذهبية ويحتفظ بالإنتماء لمن يستحق وهو دين الله وحده

تقبلى التقدير